معاني القرآن للفراء - الفراء  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

وقوله : { هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً . . . }

الذرّية جمع ، وقد تكون في معنى واحد . فهذا من ذلك ؛ لأنه قد قال : { فهب لِي مِن لدنك ولِيا } ولم يقل أولياء . وإنما قيل " طيبة "

ولم يقل طيبا لأن الطيبة أُخرِجت على لفظ الذرّية فأنثت لتأنيثها ، ولو قيل ذرّية طيبا كان صوابا . ومثله من كلام العرب قول الشاعر :

أبوك خليفةٌ وَلَدتْه أخرى *** وأنت خليفة ذاك الكمال

فقال ( أخرى ) لتأنيث اسم الخليفة ، والوجه أن تقول : وَلَدَه آخر . وقال آخر .

فما تزْدَرِي من حَيَّة جَبَليّةٍ *** سُكَاتٍ إذا ماعَضّ ليس بأدْرَدَا

فقال : جَبَليّة ، فأنّث لتأنيث اسم الحيّة ، ثم ذكّر إذ قال : إذا ما عضَّ ولم يقل : عضّت . فذهب إلى تذكير المعنى . وقال الآخر :

تَجوبُ بنا الفلاةَ إِلى سعِيدٍ *** إذا ما الشّاةُ في الأَرطَاة قالا

ولا يجوز هذا النحو إلا في الاسم الذي لا يقع عليه فلان ؛ مثل الدابّة والذرّية والخليفة ؛ فإذا سميت رجلا بشيء من ذلك فكان في معنى فلان لم يجز تأنيث فعله ولا نعتِه . فتقول في ذلك : حدّثنا المغيرة الضّبيّ ، ولا يجوز الضّبيّة . ولا يجوز أن تقول : حدّثَتْنا ؛ لأنه في معنى فلان وليس في معنى فلانة . وأما قوله :

وعنترةُ الفلحاء جاء مُلأَّما *** كأنَّهُ فِنْدٌ من عَماية أَسود

فإنه قال : الفلحاء فنعته بشَفَته . قال : وسمعت أبا ثرْوان يقول لرجل من ضبَّة وكان عظيم العينين : هذا عينان قد جاء ، جعله كالنعت له . وقال بعض الأعراب لرجل أقصم الثنِيَّة : قد جاءتكم القَصْماء ، ذهب إلى سِنّه .