غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥۖ قَالَ رَبِّ هَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةٗ طَيِّبَةًۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} (38)

35

القصة الثانية : واقعة زكريا عليه السلام وذلك قوله سبحانه { هنالك } أي في ذلك المكان الذي كانا فيه في المحراب ، أو في ذلك الوقت الذي شاهد تلك الكرامات فقد يستعار " هنا " و " ثمة " و " حيث " للزمان { دعا زكريا ربه } وهذا يقتضي أن يكون قد عرف في ذلك الزمان أو المكان أمراً له تعلق بهذا الدعاء ، فالجمهور من العلماء المحققين على أن زكريا رأى عند مريم من فاكهة الصيف في الشتاء وبالعكس وأن ذلك خارق للعادة ، فطمع هو أيضاً في أمر خارق هو حصول الولد من شيخ كبير ومن امرأة عاقر .

وهذا لا يقتضي أن يكون زكريا قبل ذلك شاكاً في قدرة الله تعالى غير مجوّز وقوع الخوارق ، فإن من حسن الأدب رعاية الوقت الأنسب في الطلب . وأما المعتزلة فحين أنكروا كرامات الأولياء وإرهاص الأنبياء قالوا : إن زكريا لما رأى آثار الصلاح والعفاف والتقوى مجتمعة في حق مريم تمنى أن يكون له ولد مثلها . قال المتكلمون : إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بعد الإذن لاحتمال أن لا تكون الإجابة مصلحة فحينئذٍ تصير دعوته مردودة وذلك نقص في منصبه . وقول إن دعا النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بمجرد التشهي فلا حاجة له في كل دعاء إلى إذن مخصوص ، بل يكفي له الإذن في الدعاء على الإطلاق والغالب في دعوته الإجابة ، ثم إن وقع الأمر بالندرة على خلاف دعوته فذلك بالحقيقة مطلوبه لأنه يريد الأصلح ، ويضمر في دعائه أنه لو لم يكن أصلح لم يبعثه الله عليه ويصرفه عنه . ومعنى قوله : { من لدنك } أن حصول الولد في العرف والعادة له أسباب مخصوصة وكانت مفقودة في حقه . فكأنه قال : أريد منك يا رب أن تعزل الأسباب في هذه الواقعة وتخلق هذا الولد بمحض قدرتك من غير توسيط الأسباب . والذرية النسل يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد ههنا ولد واحد كما قال :{ فهب لي من لدنك ولياً }[ مريم : 5 ] قال الفراء : وأنث الطيبة لتأنيث لفظ الذرية في الظاهر . فالتذكير والتأنيث تارة يجيء على اللفظ وأخرى على المعنى ، وهذا في أسماء الأجناس بخلاف الأسماء الأعلام فإنه لا يجوز أن يقال : جاءت طلحة ، لأن اسم العلم لا يفيد إلا ذلك الشخص ، فإذا كان مذكراً لم يجز فيه إلا التذكير . { إنك سميع الدعاء } يعني سماع إجابة . وذلك لما عهد من الإجابة في غير هذه الواقعة كما قال في سورة مريم { ولم أكن بدعائك رب شقياً }[ مريم : 4 ] .

/خ41