القصة الثانية : واقعة زكريا عليه السلام وذلك قوله سبحانه { هنالك } أي في ذلك المكان الذي كانا فيه في المحراب ، أو في ذلك الوقت الذي شاهد تلك الكرامات فقد يستعار " هنا " و " ثمة " و " حيث " للزمان { دعا زكريا ربه } وهذا يقتضي أن يكون قد عرف في ذلك الزمان أو المكان أمراً له تعلق بهذا الدعاء ، فالجمهور من العلماء المحققين على أن زكريا رأى عند مريم من فاكهة الصيف في الشتاء وبالعكس وأن ذلك خارق للعادة ، فطمع هو أيضاً في أمر خارق هو حصول الولد من شيخ كبير ومن امرأة عاقر .
وهذا لا يقتضي أن يكون زكريا قبل ذلك شاكاً في قدرة الله تعالى غير مجوّز وقوع الخوارق ، فإن من حسن الأدب رعاية الوقت الأنسب في الطلب . وأما المعتزلة فحين أنكروا كرامات الأولياء وإرهاص الأنبياء قالوا : إن زكريا لما رأى آثار الصلاح والعفاف والتقوى مجتمعة في حق مريم تمنى أن يكون له ولد مثلها . قال المتكلمون : إن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بعد الإذن لاحتمال أن لا تكون الإجابة مصلحة فحينئذٍ تصير دعوته مردودة وذلك نقص في منصبه . وقول إن دعا النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بمجرد التشهي فلا حاجة له في كل دعاء إلى إذن مخصوص ، بل يكفي له الإذن في الدعاء على الإطلاق والغالب في دعوته الإجابة ، ثم إن وقع الأمر بالندرة على خلاف دعوته فذلك بالحقيقة مطلوبه لأنه يريد الأصلح ، ويضمر في دعائه أنه لو لم يكن أصلح لم يبعثه الله عليه ويصرفه عنه . ومعنى قوله : { من لدنك } أن حصول الولد في العرف والعادة له أسباب مخصوصة وكانت مفقودة في حقه . فكأنه قال : أريد منك يا رب أن تعزل الأسباب في هذه الواقعة وتخلق هذا الولد بمحض قدرتك من غير توسيط الأسباب . والذرية النسل يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى والمراد ههنا ولد واحد كما قال :{ فهب لي من لدنك ولياً }[ مريم : 5 ] قال الفراء : وأنث الطيبة لتأنيث لفظ الذرية في الظاهر . فالتذكير والتأنيث تارة يجيء على اللفظ وأخرى على المعنى ، وهذا في أسماء الأجناس بخلاف الأسماء الأعلام فإنه لا يجوز أن يقال : جاءت طلحة ، لأن اسم العلم لا يفيد إلا ذلك الشخص ، فإذا كان مذكراً لم يجز فيه إلا التذكير . { إنك سميع الدعاء } يعني سماع إجابة . وذلك لما عهد من الإجابة في غير هذه الواقعة كما قال في سورة مريم { ولم أكن بدعائك رب شقياً }[ مريم : 4 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.