معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ} (28)

قوله تعالى : { قالوا } أي : الأتباع للرؤساء ، { إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين } أي : من قبل الدين فتضلوننا عنه وتروننا أن الدين ما تضلوننا به ، قاله الضحاك . وقال مجاهد : عن الصراط الحق ، واليمين عبارة عن الدين ، والحق كما أخبر الله تعالى عن إبليس : ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق . وقال بعضهم : كان الرؤساء يحلفون لهم أن ما يدعونهم إليه هو الحق ، فمعنى قوله : { تأتوننا عن اليمين } أي : من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها . وقيل : { عن اليمين } أي : عن القوة والقدرة ، كقوله : { لا تأخذ منه باليمين } والمفسرون على القول الأول .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ} (28)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله الضعفاء للزعماء فقال : { قالوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين } وللمفسرين فى تأويل معنى اليمين هنا اتجاهات منها :

أن المراد باليمين هنا : الجهة التى هى جهة الخير واليمن : أى : قال الضعفاء للرؤساء : إنكم كنتم فى الدنيا توهموننا وتخدعوننا بالبقاء على ما نحن عليه من عبادة الأصنام والأوثان ، لأن بقاءنا على ذلك فيه الخير واليمن والسلامة . فأين مصداق ما قلتموه لنا وقد نزل بنا ما نزل من أهوال وآلام ؟

فالمقصود بالآية الكريمة بيان ما يقوله الأتباع للمتبوعين على سبيل الحسرة والندامة ، لأنهم خدعوا بوسوستهم ، وأصيبوا بالخيبة بسبب اتباعهم لهم .

وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : اليمين لما كانت أشرف العضورين وأمتنهما ، وكانوا يتيمنون بها ، فبها يصافحون ، ويماسحون ، ويناولون ويتناولون ، ويزاولون أكثر الأمور .

لما كانت استعيرت لجهة الخير وجانبه ، فقيل : أتاه عن اليمين ، أى من الخير وناحيته . .

ومنهم من يرى أن المراد باليمين هنا : اليمين الشرعية التى هى القسم ، وعن بمعنى الباء .

أى : قالوا لهم : إنكم كنتم فى الدنيا تأتوننا بالأيمان المغلظة على أننا وأنتم على الحق فصدقناكم ، فأين نحن وأنتم الآن من هذه الآيمان المغلظة ؟ لقد ظهر كذبها وبطلانها ، وأنتم اليوم مسئولون عما نحن فيه من كرب .

ومنهم من يرى أن المراد باليمين هنا : القوة والغلبة . أى : أنكم كنتم فى الدنيا تجبروننا وتقسرونا على أتباعكم لأننا كنا ضعفاء وكنتم أقوياء .

والذى نراه أن الآية الكريمة تسع كل هذه الأقوال ، لأن الرؤساء أوهموا الضعفاء بأنهم على الحق ، وأقسموا لهم على ذلك ، وهددوهم بالقتل أو الطرد إن هم اتبعوا ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومقصود الضعفاء من هذا القول ، إلقاء المسئولية كاملة على الرؤساء ، توهما منهم أن هذا الإِلقاء سيخفف عنهم شيئا من العذاب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ} (28)

كان حقّ فعل { تأتُوننا } أن يعدّى إلى جهة اليمين بحرف « مِن » فلما عُدّي بحرف { عن } الذي هو للمجاوزة تعين تضمين { تأتُونَنا } معنى « تصدوننا » ليُلائم معنى المجاوزة ، أي تأتوننا صادِّيننا عن اليمين ، أي عن الخير . فهذا وجه تفسير الآية الذي اعتمده ابن عطية والزمخشري وقد اضطرب كثير في تفسيرها . قال ابن عطية ما خلاصته : اضطرب المتأولون في معنى قولهم : { عَننِ اليمين } فعبر عنه ابن زيد وغيره بطريق الجنة ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى ولا تختص بنفس اللفظة ، وبعضهم أيضاً نحا في تفسيره إلى ما يخص اللفظة فتحصل من ذلك معان منها : أن يريد باليمين القوة والشدة ( قلتُ وهو عن ابن عباس والفرّاء ) فكأنهم قالوا إنكم كنتم تُغْروننا بقوة منكم ، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا : تأتوننا من الجهة التي يحسنها تمويهكم وإغواؤكم وتُظهرون فيها أنها جهة الرشد ( وهو عن الزجاج والجبّائي ) ومما تحتمله الآية أن يريدوا : إنكم كنتم تأتوننا ، أي تقطعون بنا عن أخبار الخير واليُمْن ، فعبروا عنها باليمين ، ومن المعاني أن يريدوا : أنكم تجيئون من جهة الشهوات وعدم النظر لأن جهة يمين الإِنسان فيها كبده وجهة شماله فيها قلبه وأن نظر الإِنسان في قلبه وقيل : تحلفون لنا اهـ .