الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ} (28)

يبين ذلك أن بعده " إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين " قال مجاهد : هو قول الكفار للشياطين . قتادة : هو قول الإنس للجن . وقيل : هو من قول الأتباع للمتبوعين ، دليله قوله تعالى : " ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول " [ سبأ : 31 ] الآية . قال سعيد عن قتادة : أي تأتوننا عن طريق الخير وتصدوننا عنها . وعن ابن عباس نحو منه . وقيل : تأتوننا عن اليمين التي نحبها ونتفاءل بها لتغرونا بذلك من جهة النصح . والعرب تتفاءل بما جاء عن اليمين وتسميه السانح . وقيل : " تأتوننا عن اليمين " تأتوننا مجيء من إذا حلف لنا صدقناه . وقيل : تأتوننا من قبل الدين فتهونون علينا أمر الشريعة وتنفروننا عنها .

قلت : وهذا القول حسن جدا ؛ لأن من جهة الدين يكون الخير والشر ، واليمين بمعنى الدين ، أي كنتم تزينون لنا الضلالة . وقيل : اليمين بمعنى القوة ؛ أي تمنعوننا بقوة وغلبة وقهر ، قال الله تعالى : " فراغ عليهم ضربا باليمين " [ الصافات : 93 ] أي بالقوة وقوة الرجل في يمينه ؛ وقال الشاعر :

إذا ما راية رفعت لمجد *** تلقاها عَرَابَةُ باليمين

أي بالقوة والقدرة . وهذا قول ابن عباس . وقال مجاهد : " تأتوننا عن اليمين " أي من قبل الحق أنه معكم ، وكله متقارب المعنى .