الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالُوٓاْ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَأۡتُونَنَا عَنِ ٱلۡيَمِينِ} (28)

والقائلون : { إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا } إما أنْ يكونَ الإنْسُ يقولونها للشياطينِ ؛ وهذا قول مجاهد وابن زيد ، وإما أنْ يكونَ ضَعَفَةُ الإنْسِ يقولُونَهَا لِلكبراءِ والقادةِ ، واضطَرَبَ المُتَأَوِّلُونَ في معنى قولهم : { عَنِ اليمين } ؛ فعبَّر ابنُ زيد وغيرُه عنه بطريقِ الجَنَّةِ ، ونحو هذا من العباراتِ التي هي تفسيرٌ بالمعنى ، ولا يختصُّ بنَفْسِ اللَّفْظَةِ ، والذي يخصُّها مَعَانٍ : منها أن يريدَ باليمين : القوةَ . أي : تحملونَنَا على طريقِ الضَّلاَلَةِ بقوةٍ ، ومنها أن يريدَ باليمينِ اليُمْنَ ، أي : تأتوننا من جِهَة النصائِح والعملِ الذي يُتَيَمَّنُ به ، ومن المعاني التي تحتملها الآيةُ ؛ أن يريدوا أنكم كُنتم تجيئُونَنَا من جهة الشَّهَوَاتِ ، وأكثرُ ما يَتَمكَّنُ هذا التأويلُ مع إغواء الشياطين ، وقيلَ : المعنى تَحْلِفونَ لنا ، فاليمينُ على هذا : القَسَمُ . وقد ذَهَبَ بعضُ العلماءِ في ذكرِ إبليسَ جهاتِ بني آدم في قوله : { مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ } [ الأعراف : 17 ] إلى ما ذكرناه من جهةِ الشهوات .