قوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان متكئين على فرش } جمع فراش ، { بطائنها } جمع بطانة ، وهي التي تحت الظهارة . وقال الزجاج وهي مما يلى الأرض . { من إستبرق } وهو ما غلظ من الديباج . قال ابن مسعود وأبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر ؟ وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من إستبرق ، والظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }( السجدة-17 ) ، وعنه أيضاً قال : بطائنها من إستبرق فظواهرها من نور جامد . وقال ابن عباس : وصف البطائن وترك الظواهر لأنه ليس في الأرض أحد يعرف ما الظواهر . { وجنى الجنتين دان } الجنى ما يجتنى من الثمار ، يريد : ثمرهما دان يناله القائم والقاعد والنائم . قال ابن عباس : تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله ، إن شاء قائماً وإن شاء قاعداً . قال قتادة : لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك .
ثم بين - سبحانه - حسن مجلسهم فقال : { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الجنتين دَانٍ } .
والجملة الكريمة حال من قوله - تعالى - : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ . . . } .
وعبر - سبحانه - بالاتكاء لأنه من صفات المتنعمين الذين يعيشون عيشة راضية ، لاهم معها ولا حزن .
والفرش : جمع فراش - ككتب وكتاب - وهو ما يبسط على الأرض للنوم أو الاضطجاع .
والبطائن : جمع بطانة ، وهى ما قابل الظهارة من الثياب ، ومشتقة من البطن المقابلة للظهر ، ومن أقوالهم : أفرشنى فلان ظهره وبطنه ، أى : أطلعنى على سره وعلانيته .
والاستبرق : الديباج المصنوع من الحرير السميك ، وهو من أجود أنواع الثياب .
والمعنى : أن هؤلاء الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى ، يعيشون فى الجنات حالة كونهم ، متكئين فى جلستهم على فرش بطائنها من الديباج السميك . { وَجَنَى الجنتين } ما يجتنى من ثمارهما { دَانٍ } من الدنو بمعنى القرب .
أى : أنهم لا يتعبون أنفسهم فى الحصول على تلك الفواكه ، وإنما يقطفون ما يشاءون منها ، وهم متكئون على فراشهم الوثير .
حال من { لمن خاف مقام ربه } وجيء بالحال صيغةَ جمع باعتبار معنى صاحب الحال وصلاحية لفظه للواحد والمتعدد ، لا باعتبار وقوع صلته بصيغة الإِفراد فإن ذلك اعتبار بكون ( مَن ) مفردة اللفظ .
والمعنى : أُعطوا الجنان واستقرُّوا بها واتكأوا على فرش .
والاتكاء : افتعال من الوَكْءِ مهموز اللام وهو الاعتماد ، فصار الاتكاء اسماً لاعتمادِ الجالس ومرفقه إلى الأرض وجنبه إلى الأرض وهي هيئة بين الاضطجاع على الجنب والقعودِ ، وتقدم في قوله : { وأعتدت لهن متكئاً } في سورة يوسف ( 31 ) ، وتقدم أيضاً في سورة الصافات .
وفُرش : جمع فراش ككتاب وكُتب . والفِراش أصله ما يفرش ، أي يبسط على الأرض للنوم والاضطجاع .
ثم أطلق الفراش على السرير المرتفع على الأرض بسُوققٍ لأنه يوضع عليه ما شأنه أن يفرش على الأرض تسمية باسم ما جعل فيه ، ولذلك ورد ذكره في سورة الواقعة ( 15 ، 16 ) في قوله : { على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين } وفي سورة الصافات ( 44 ) على سرر متقابلين .
والمعبر عنه في هذه الآيات واحد يدلّ على أن المراد بالفرش في هذه الآية السرر التي عليها الفرش .
والاتكاء : جِلسة أهل الترف المخدومين لأنها جلسة راحة وعدم احتياج إلى النهوض للتناول نحوه وتقدم في سورة الكهف .
والبطائن : جمع بِطانة بكسر الباء وهي مشتقة من البطن ضد الظهر من كل شيء ، وهو هنا مجاز عن الأسفل . يقال للجهة السفلى : بطن ، وللجهة العليا ظهر ، فيقال : بَطَّنْت ثوبي بآخر إذا جعل تحت ثوبه آخرَ ، فبطانة الثوب داخله وما لا يَبدو منه ، وضد البطانة الظِّهارة بكسر الظاء ، ومن كلامهم : أفرشني ظهر أمره وبطنه ، أي علانيته وسِرّه ، شبهت العلانية بظهر الفراش والسِرّ ببطن الفراش وهما الظِهارة والبطانة ، ولذلك أتبع هذا التشبيه باستعارة فعل : أفرشني . فالبطانة : هي الثوب الذي يجعل على الفراش والظهارة : الثوب الذي يجعل فوق البطانة ليظهر لرؤية الداخل للبيت فتكون الظهارة أحسن من البطانة في الفراش الواحد .
والعرب كانوا يجعلون الفراش حَشية ، أي شيئاً محشواً بصوف أو قطن أو ليف ليكون أوثر للجنب ، قال عنترة يصف تنعم عَبلة :
تُمسي وتُصبح فوق ظهر حشِيّةٍ *** وأَبِيتُ فوقَ سَراة أدهم مُلجم
فإذا وضعوا على الحشية ثوباً أو خاطوها بثوب فهو البطانة ، وإذا غطوا ذلك بثوب أحسن منه فهو الظِهارة .
فالمعنى هنا : أن بطائن فرش الجنة من استبرق فلا تَسأل عن ظهائرها فإنها أجود من ذلك ، ولا ثوب في الثياب المعروفة عند الناس في الدنيا أنفس من الاستبرق البطائن بالذكر كناية عن نفاسة وصف ظهائر الفرش .
والاستبرق : صنف رفيع من الديباج الغليظ . والديباجُ : نسيج غليظ من حرير والاستبرق ينسج بخيوط الذهب . قال الفخر : وهو معرب عن الفارسية عن كلمة ( سْتبرك ) بكاف في آخره علامة تصغير ( ستبر ) بمعنى ثخين ، وقد تقدم في سورة الكهف ( 31 ) ، فأبدلوا الكاف قافاً خشية اشتباه الكاف بكاف الخطاب ، والذي في القاموس } : الإِستبرق : الديباج الغليظ معرب ( اسْتَرْوَه ) ، وقد تبين أن الإِستبرق : صنف من الديباج ، والديباج : ثوب منسوج من الحرير منقوش وهو أجود أنواع الثياب .
ومن { جنى الجنتين } : ما يجنى من ثمارهما ، وهو بفتح الجيم ما يقطف من الثمر . والمعنى : أن ثمر الجنة داننٍ منهم وهم على فرشهم فمتى شاءوا اقتطفوا منه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.