الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

{ مُتَّكِئِينَ } حال { عَلَى فُرُشٍ } جمع فراش { بَطَآئِنُهَا } جمع بطانة { مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } وهو ما غلظ من الديباج وحسن ، وقيل : هو أَستبر معرب .

قال ابن مسعود وأبو هريرة : هذه البطائن فما ظنّكم بالظهائر ؟ ، وقيل لسعيد بن جبير : البطائن من استبرق فما الظواهر ؟ قال : هذا مما قال الله سبحانه :

{ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] .

وعنه أيضاً قال : بطائنها من إستبرق وظواهرها من نور جامد ، وقال الفرّاء : أراد بالبطائن الظواهر .

قال المؤرخ : هو بلغة القبط ، وقد تكون البطانة ظهارة والظهارة بطانة ؛ لأن كل واحد منهما يكون وجهاً ، تقول العرب : هذا ظهر السماء ، وهذا بطن السماء للذي يراه ، وقال عبد الله ابن الزبير في قتلة عثمان : قتلهم الله شرّ قتلة ، ونجا من نجا منهم تحت بطون الكواكب ، يعني هربوا ليلا ، فجعل ظهور الكواكب بطوناً .

قال القتيبي : هذا من عجيب التفسير ، وكيف تكون البطانة ظهارة ، والظهارة بطانة ؟ والبطانة من بطن من الثوب ، وكان من شأن الناس إخفاؤه ، والظهارة ما ظهر منه ، ومن شأن الناس إبداؤه ، وهل يجوز لأحد ان يقول لوجه المصلي : هذا بطانته ، ولما ولي الأرض : هذا ظهارته ، لا والله لا يجوز هذا ، وانما أراد الله سبحانه وتعالى ان يعرّفنا لطفه من حيث يعلم فضل هذه الفرش ، وأن ما ولي الأرض منها إستبرق ، وإذا كانت البطانة كذلك فالظهارة أعلى وأشرف ، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم

" لَمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذه الحلّة " فذكر المناديل دون غيرها ؛ لأنها أحسن ويصدّق قول القتيبي ما حكيناه عن ابن مسعود وأبي هريرة ، والله أعلم .

{ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ } ثمرهما { دَانٍ } قريب يناله القائم والقاعد والنائم { فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }