الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى ٱلۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ} (54)

قوله : { مُتَّكِئِينَ } : يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ " مَنَ " في قولِه : " ولِمَنْ خافَ " ، وإنَّما جُمعَ حَمْلاً على معنى " مَنْ " بعد الإِفراد حَمْلاً على لفظها . وقيل : حالٌ عامِلُها محذوفٌ أي : يَتَنَعَّمون مُتَّكئين . وقيل : منصوبٌ على الاختصاصِ . والعامَّةُ على " فُرُش " بضمَّتين . وأبو حيوة بضمةٍ وسكونٍ وهي تخفيفٌ منها . /

قوله : { بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً . والظاهر أنَّها صفةٌ ل " فُرُش " . و " مِنْ إستبرق " قد تَقَدَّم الكلام في الاستبرق وما قيل فيه في سورة الكهف . وقال أبو البقاء هنا : " أصلُ الكلمةِ فِعْلٌ على اسْتَفْعَلَ فلمَّا سُمِّي به قُطِعَتْ همزتُه . وقيل : هو أعجميُّ . وقرِىء بحَذْفِ الهمزةِ وكسر النونِ ، وهو سَهْوٌ ؛ لأنَّ ذلك لا يكون في الأسماءِ بل في المصادرِ والأفعال " . انتهى . أمَّا قولُه " وهو سهوٌ لأن ذلك لا يكون " إلى آخرِه ، يَعْني أنَّ حَذْفِ الهمزةِ في الدَّرْجِ لا يكونُ إلاَّ في الأفْعال والمصادرِ ، وأمَّا الأسماءُ فلا تُحْذَفُ هَمَزاتُها لأنَّها هَمَزات قَطْعٍ . وهذا الكلامُ أحقُّ بأن يكونَ سَهْواً ؛ لأنَّا أولاً لا نُسَلِّمُ أنَّ هذه القراءةَ مِنْ حَذْفِ همزةِ القطعِ إجراءً لها مُجْرى همزةِ الوَصْلِ . وإنَّما ذلك مِنْ بابِ نَقْلِ حركةِ الهمزةِ إلى الساكن قبلَها ، وحركةُ الهمزةِ كانَتْ كسرةً فحركةُ النونِ حركةُ نَقْلٍ لا حركةُ التقاءِ ساكنين . ثم قولُه : " إلاَّ في الأفعال والمصادرِ " ليس هذا الحصرُ بصحيح اتفاقاً لوجودِ ذلك في أسماءٍ عشرةٍ ليسَتْ بمصادرَ ، ذكرْتُها في أولِ هذا الموضوع .

قوله : { وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } مبتدأٌ وخبرٌ . ودانٍ أصلهُ دانِوٌ مثلَ غازٍ ، فأُعِلَّ كإِعلالِه . وقرأ عيسى بن عمر " وجَنِيَ " بكسر النون . وتوجيهُها : أن يكونَ أمال الفتحة لأجل الألف ، ثم حذف الألف لالتقاءِ السَّاكنين ، وأبقى إمالة النون فَظُنَّتْ كسرةً . وقُرِىء " وجِنَى " بكسر الجيم ، وهي لغة . والجَنى : ما يُقْطَفُ من الثمار . وهو فَعَل بمعنى مَفْعُول كالقَبَض والنَقَص .