معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

قوله تعالى : { وإن من شيء } ، أي : وما من شيء ، { إلا عندنا خزائنه } ، أي مفاتيح خزائنه . وقيل : أرد به المطر . { وما ننزله إلا بقدر معلوم } ، لكل أرض حد مقدر ، ويقال : لا تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله عز وجل ويشاء . وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده قال : في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر والبحر ، وهو تأويل قوله تعالى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن كل شيء في هذا الكون ، خاضع لإرادته وقدرته ، وتصرفه . . فقال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } .

و " إن " نافية بمعنى ما ، و " من " مزيدة للتأكيد . و { خزائنه } جمع خزانة ، وهى في الأصل تطلق على المكان الذي توضع فيه نفائس الأموال للمحافظة عليها .

والمعنى : وما من شيء من الأشياء الموجودة في هذا الكون ، والتى يتطلع الناس إلى الانتفاع بها . إلا ونحن قادرون على إيجادها وإيجاد أضعافها بلا تكلف أو إبطاء ، كما قال - تعالى - : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فقد شبه - سبحانه - اقتداره على إيجاد كل شئ ، بالخزائن المودعة فيها الأشياء ، والمعدة لإِخراج ما يشاء إخراجه منها بدون كلفة أو إبطاء .

والمراد بالإِنزال في قوله { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } . الإِيجاد والإِخراج إلى هذه الدنيا ، مع تمكين الناس من الحصول عليه .

أى : وما نخرج هذا الشىء إلى حيز الوجود بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به إلا ملتبسًا بمقدار معين ، وفى وقت محدد ، تقتضيه حكمتنا ، وتستدعيه مشيئتنا ، ويتناسب مع حاجات العباد وأحوالهم ، كما قال - تعالى - { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

وقوله : { وإن من شيء }{[7146]} قال ابن جريج : وهو المطر خاصة .

قال القاضي أبو محمد : وينبغي أن تكون أعم من هذا في كثير من المخلوقات .

و «الخزائن » المواضع الحاوية ، وظاهر هذا أن الماء والريح ونحو ذلك موجود مخلوق ، وهو ظاهر في قولهم في الريح : عتت على الخزان وانفتح منها قدر حلقة الخاتم ، ولو كان قدر منخر الثور لأهلك الأرض ؛ إلى غير هذا من الشواهد . وذهب قوم إلى أن كونها في القدرة هو خزنها ، فإذا شاء الله أوجدها .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أيضاً ظاهر في أشياء كثيرة . وهو لازم في الاعتراض إذا عممنا لفظة { شيء } وكيفما كان الأمر فالقدرة تسعه وتتقنه .

وقوله : { ننزله } ما كان من المطر ونحوه : فالإنزال فيه متمكن ، وما كان من غير ذلك فإيجاده والتمكين من الانتفاع به ، إنزال على تجوز .

وقرأ الأعمش : «وما نرسله »{[7147]} .

وقوله : { بقدر معلوم } روي فيه عن ابن مسعود وغيره : أنه ليس عام أكثر مطراً من عام ، ولكن الله تعالى ينزله في مواضع دون مواضع .


[7146]:[إن] نافية، [من] زائدة، وأصل الكلام: لا شيء إلا عندنا خزائنه.
[7147]:قال أبو حيان في البحر المحيط: "وهي قراءة تفسير معنى، لا أنها لفظ قرآن لمخالفتها سواد المصحف.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

هذا اعتراض ناشىء عن قوله { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } [ سورة الحجر : 19 ] الآية . وفي الكلام حذف الصفة كقوله تعالى { يأخذ كل سفينة غصباً } [ سورة الكهف : 79 ] أي سفينةٍ صالحةٍ .

والخزائن تمثيل لصلوحية القدرة الإلهية لتكوين الأشياء النافعة . شبهت هيئة إيجاد الأشياء النافعة بهيئة إخراج المخزونات من الخزائن على طريقة التمثيلية المَكنية ، ورُمز إلى الهيئة المشبّه بها بما هو من لوازمها وهو الخزائن . وتقدم عند قوله تعالى : { قل لا أقول لكم عندي خزائن الله } في سورة الأنعام ( 50 ) .

وشمل ذلك الأشياء المتفرقة في العالم التي تصل إلى الناس بدوافع وأسباب تستتب في أحوال مخصوصة ، أو بتركيب شيء مع شيء مثل نزول البَرد من السحاب وانفجار العيون من الأرض بقصد أو على وجه المصادفة .

وقوله { وما ننزله إلا بقدر معلوم } أطلق الإنزال على تمكين الناس من الأمور التي خلقها الله لنفعهم ، قال تعالى { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً } في سورة البقرة ( 29 ) ، إطلاقاً مجازياً لأن ما خلقه الله لمّا كان من أثر أمر التكوين الإلهي شبّه تمكين الناس منه بإنزال شيء من علو باعتبار أنه من العالم اللدني ، وهو علو معنوي ، أو باعتبار أن تصاريف الأمور كائن في العوالم العلوية ، وهذا كقوله تعالى { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } في سورة الزمر ( 6 ) ، وقوله تعالى : { يتنزل الأمر بينهن } في سورة الطلاق ( 12 ) .

والقَدر بفتح الدال : التقدير . وتقدم عند قوله تعالى { فسالت أودية بقدرها } في سورة الرعد ( 17 ) .

والمراد { بمعلوم } أنه معلوم تقديره عند الله تعالى .