فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

{ وَإِن مّن شَيء إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } «إن » هي النافية و «من » مزيدة للتأكيد ، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من ، ومع لفظ { شيء } المتناول لكل الموجودات الصادقة على كل فرد منها . فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء ، والخزائن جمع خزانة : وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور ، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور ؛ والمعنى : أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجوب بمقدار كيف شاء . وقال جمهور المفسرين : إن المراد بما في هذه الآية هو المطر ، لأنه سبب الأرزاق والمعايش ؛ وقيل : الخزائن المفاتيح أي : ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه ، والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود ، بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف في ذلك { وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } أي ما ننزله من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلاّ بقدر معلوم . والقدر : المقدار ؛ والمعنى : أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئاً من تلك الأشياء المذكورة إلاّ متلبساً ذلك الإيجاد بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه : { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرض ولكن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء } [ الشورى : 27 ] . وقد فسر الإنزال بالإعطاء ، وفسر بالإنشاء ، وفسر بالإيجاد ، والمعنى متقارب ، وجملة وما { ننزله } معطوفة على مقدّر ، أي : وإن من شيء إلاّ عندنا خزائنه ننزله وما ننزله ، أو في محل نصب على الحال .

/خ25