اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

قوله تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ } ، " إنْ " : نافية ، و " مِنْ " مزيدة في المبتدإ ، و " عِنْدَنَا " خبره ، و " خَزائِنهُ " فاعل به ؛ لاعتماده على النَّفي ، ويجوز أن يكون " عِندَنَا " خبراً ل " ما " بعده ، والجملة خبر الأولى ، والأولى أولى ؛ لقرب الجارِّ من المفرد .

قال الواحدي : " الخَزائِنُ : جمع الخِزانَة ، وهي اسمُ المكان الذي يُخْزنُ فيه الشيء ، أي : يحفظ ، والخِزانةٌ –أيضاً- عمل الخازن ، ويقال : خَزَنَ الشَّيء يَخْزنهُ ، إذ أحْرزَهُ " .

و " خَزَائِنهُ " هو المطر ؛ لأنه سبب الأرزاق ، والمعايش لبني آدم ، وسائر الحيوانات .

قوله : " إلاَّ بقدَرٍ معلوم " يجوز أن يتعلق بالفعل قبله ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من المفعول ، أي : إلا ملتبساً بقدرٍ .

قال ابن عباس -رضي الله عنه- : يريد : قدر الكفايةِ ، لكل أرضِ حدُّ مقدرٌ{[19480]} ، وقال الحكم : ما من عامٍ بأكثر مطرٍ ، من عام آخر ؛ ولكنه يمطر قومٌ ، ويحرمُ آخرون ، وربما كان في البحر ، يعني أنه –تعالى- ينزل المطر كلَّ عامٍ بقدرٍ معلومٍ ، غير أنَّه يصرفه إلى من يشاء حيث يشاء{[19481]} .

ولقائل أن يقول : لفظ الآية لا يدلُّ على هذا المعنى ، فإن قوله تعالى : { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } ، لا يدلُّ على أنه –تعالى- ينزله في جميع الأعوامِ على قدر واحد ، فتفسير الآية بهذا المعنى تحكُّمٌ بغير دليلٍ .

وقال ابنُ الخطيب{[19482]} : " وتخصيص قوله تعالى : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } بالمطر تحكم محضٌ ؛ لأن قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ } يتناول جميع الأشياء ، إلا ما خصه الدليل " .

روى جعفر ، عن محمدٍ ، عن أبيه ، عن جده ، قال : في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر ، والبحر ، وهو تأويل قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ }{[19483]} .


[19480]:ذكره الرازي في "تفسيره" (19/138).
[19481]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/503، 504) عن الحكم بن عتيبة وابن مسعود وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (4/178) وزاد نسبته إلى ابن المنذر أبي حاتم وأبي الشيخ في "العظمة".
[19482]:ينظر: الفخر الرازي 19/138.
[19483]:ذكره البغوي في "تفسيره" (3/47).