فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ( 21 ) }

{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ } إن هي النافية ومن مزيدة للتأكيد ، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها ، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء ، والخزائن جمع خزانة وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور ، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور .

والمعنى أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة لله تعالى يخرجها من العدم إلى الوجود بمقدار كيف شاء ، وقال جمهور المفسرين إن المراد بما في الآية هو المطر لأنه سبب الأرزاق والمعايش ، وعن ابن مسعود وابن عباس : ما نقص المطر منذ أنزله الله ولكن تمطر أرض أكثر مما تمطر أخرى ، ثم قرأ وما ننزله الآية .

قال ابن الخطيب : وتخصيص قوله هذا بالمطر تحكم محض لأن قوله وإن من شيء يتناول جميع الأشياء إلا ما خصه الدليل ، وقيل الخزائن المفاتيح أي ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف في ذلك ، وقيل في العرش تمثال جميع ما خلق الله في البر والبحر وهو تأويل هذه الآية .

وأخرج البزار وأبو الشيخ عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( خزائن الله الكلام فإذا أراد شيئا قال له كن فكان ) {[1027]}

{ وَمَا نُنَزِّلُهُ } من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد { إِلاَّ بِقَدَرٍ } أي بمقدار { مَّعْلُومٍ } والمعنى أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئا من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبسا ذلك الإيجاد بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال تعالى : { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء } وقد فسر الإنزال بالإعطاء وبالإنشاء وبالإيجاد والمعنى متقارب .


[1027]:ضعيف الجامع الصغير 2824.