التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ} (21)

{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ( 16 ) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ( 17 ) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ( 18 ) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ( 1 ) وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ( 2 ) ( 19 ) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ( 3 ) ( 20 ) وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ( 21 ) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ( 4 ) فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ( 22 ) وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ( 5 ) ( 23 ) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ ( 24 ) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ( 25 ) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ( 6 ) مِّنْ حَمَإ( 7 )ٍ مَّسْنُونٍ( 8 ) ( 26 ) وَالْجَآنَّ( 9 ) خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ( 10 )( 27 ) } [ 16 – 27 ] .

تشير الآيات إلى مظاهر قدرة الله وعظمته وسننه الكونية ونعمه على البشر والمخلوقات الأخرى وتصرفه في الكون تصرفا مطلقا ، وعمله الشامل المحيط بالناس سابقيهم ولاحقيهم وخلقه الإنس والجن وكونه مرجع كل شيء وأنه أزلي أبدي ، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر .

والمتبادر أنها جاءت معقبة على جميع الآيات السابقة التي حكت مواقف الكفار وعنادهم وإجرامهم بسبيل تقريعهم على هذه المواقف وتذكيرهم بعظمة الله واستحقاقه وحده للخضوع والعبادة .

تعليق على الآية

{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ }

والآيات التسع التالية لها

وما عدد هنا من مظاهر قدرة الله تعالى قد تكرر في القرآن بأساليب متنوعة مرت أمثلة عديدة منها . وتضمنت جميعها لفت نظر الناس إلى ما يقع تحت أبصارهم ومشاهدتهم وحسهم ، وتذكيرهم بشمول قدرة الله وعظمته ومطلق تصرفه وكونه الخالق المدبر الأزلي الأبدي ، مما يؤيد ما قلناه غير مرة من أن القصد من ذلك هو العظة واستدعاء الأنظار والأذهان ودعوة الناس إلى الخضوع لله تعالى وحده ، ونقول هنا ما قلناه في المناسبات السابقة المماثلة وبخاصة في سياق تفسير سورة القيامة إننا لا نرى طائلا من وراء محاولة استنباط نواميس الكون والخلق فنيا ، والتوفيق بين ما هو معروف من هذه النواميس وبين ما في هذه الآيات وأمثالها ، ولا من وراء محاولة استخراج قواعد فنية كونية منها ؛ إذ أن كل هذا خارج عن نطاق هدف الآيات .

ولقد علقنا على موضوع استراق الشياطين للسمع من السماء ورجمهم بالشهب بما فيه الكفاية في تفسير سورة الجن ، كما علقناه بما فيه الكفاية كذلك على خلق الجن من النار والإنسان من الطين في تفسير سورة ص فلا نرى ضرورة للإعادة . وننبه فقط على أن ذكر الإنسان من صلصال والجن من النار بين يدي ذكر قصة آدم وإبليس الواردة في الآيات التالية لهذه الآيات يجعل الهدف التمثيلي والتلقيني في القصة أكثر بروزا .

ولقد روى الترمذي عن ابن عباس قال : ( كانت امرأة حسناء تصلي خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ، وبعضهم يتأخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله الآية : { وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ } الحجر : [ 24 ] {[1229]} . والحادث المذكور في الحديث من أحداث العهد المدني . ولا خلاف في مكية الآية فضلا عن انسجامها كل الانسجام مع السياق نظما وموضوعا . ولقد أورد الطبري الحديث ومع ذلك فإنه صوب تأويل العبارة بعلم الله لكل خلقه سواء منهم من مضى أو لم يخلق . وهذا هو الحق الذي رأيناه وأثبتناه قبل . ولقد أورد الحديث ابن كثير وقال : إن فيه نكارة شديدة والله تعالى أعلم .


[1229]:التاج جـ 4 ص 137.