معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

{ وإني كلما دعوتهم } إلى الإيمان بك ، { لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم } لئلا يسمعوا دعوتي ، { واستغشوا ثيابهم } غطوا بها وجوههم لئلا يروني ، { وأصروا } على كفرهم ، { واستكبروا } عن الإيمان بك . { استكباراً . }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

ثم أضاف إلى فرارهم منه ، حالة أخرى . تدل على إعراضهم عنه ، وعلى كراهيتهم له ، فقال : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ واستغشوا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ واستكبروا استكبارا } .

وقوله : { كُلَّمَا } معمول لجملة : { جعلوا } التى هى خبر إن ، واللام فى قوله { لِتَغْفِرَ لَهُمْ } للتعليل .

والمراد بأصابعهم : جزء منها . واستغشاء الثياب معناه : جعلها غشاء ، أى : غطاء لرءوسهم ولأعينهم حتى لا ينظروا إليه ، ومتعلق الفعل " دعوتهم " محذوف لدلالة ما تقدم عليه ، وهو أمرهم بعبادة الله وتقواه .

والمعنى : وإنى - يا مولاى - كلما دعوتهم إلى عبادتك وتقواك وطاعتى فيما أمرتهم به ، لكى تغفر لهم ذنوبهم . . ما كان منهم إلا أن جعلوا أصابعهم فى آذانهم حتى لا يسمعوا قولى ، وإلا أن وضعوا ثيابهم على رءوسهم . وأبصارهم حتى لا يرونى ، وإلا أن { وَأَصَرُّواْ } إصرارا تاما على كفرهم { واستكبروا استكبارا } عظيما عن قبول الحق .

فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة ، قد صورت عناد قوم نوح ، وجحودهم للحق ، تصويرا بلغ الغاية فى استحبابهم العمى على الهدى .

فهى - أولا - جاءت بصيغة " كلما " الدالة على شمول كل دعوة وجهها إليهم نبيهم نوح - عليه السلام - أى : فى كل وقت أدعوهم إلى الهدى يكون منهم الإعراض .

وهى - ثانيا - عبرت عن عدم استماعهم إليه بقوله - تعالى - : { جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ } . وعبر عن الأنامل بالأصابع على سبيل المبالغة فى إرادة سد المسامع ، فكأنهم لو أمكنهم إدخال أصابعهم جميعها فى آذانهم لفعلوا . حتى لا يسمعوا شيئا مما يقوله نبيهم لهم .

فإطلاق اسم الأصابع على الأنامل من باب المجاز المرسل ، لعلاقة البعضية ، حيث أطلق - سبحانه - الكل وأراد البعض ، مبالغة فى كراهيتهم لسماع كلمة الحق .

وهى - ثالثا - عبرت عن كراهيتهم لنبيهم ومرشدهم بقوله - تعالى - : { واستغشوا ثِيَابَهُمْ } أى : بالغوا فى التَّغطِّى بها ، حتى لكأنهم قد طلبوا منها أن تلفهم بداخلها حتى لا يتسنى لهم رؤيته إطلاقا .

وهذا كناية عن العداوة الشديدة ، ومنه قول القائل : لبس لى فلان ثياب العداوة .

وهى - رابعا - قد بينت بأنهم لم يكتفوا بكل ذلك ، بل أضافوا إليه الإصرار على الكفر - وهو التشدد فيه ، والامتناع من الإِقلاع عنه مأخوذ من الصَّرة بمعنى الشدة - والاستكبار العظيم عن الاستجابة للحق .

فقد أفادت هذه الآية ، أنهم عصوا نوحا وخالفوه مخالفة ليس هناك ما هو أقبح منها ظاهرا ، حيث عطلوا أسماعهم وأبصارهم ، وليس هناك ما هو أقبح منها باطنا ، حيث أصروا على كفرهم ، واستكبروا على اتباع الحق .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

وقوله : { وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم } معناه : ليؤمنوا فيكون ذلك سبب الغفران . وقوله تعالى : { جعلوا أصابعهم في آذانهم } يحتمل أن يكون حقيقة ، ويحتمل أن يكون عبارة عن إعراضهم ، وشدة رفضهم لأقواله ، وكذلك قوله : { استغشوا ثيابهم } معناه : جعلوها أغشية على رؤوسهم ، والإصرار الثبوت على معتقد ما ، وأكثر استعماله في الذنوب .