السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

{ وإني كلما } أي : على تكرار الأوقات وتعاقب الساعات { دعوتهم } أي : إلى الإقبال إليك بالإيمان بك والإخلاص لك { لتغفر لهم } أي : ليؤمنوا فتمحو ما فرطوا فيه في حقك فأفرطوا لأجله في التجاوز في الحد محواً بالغاً ، فلا يبقى لشيء من ذلك عين و لا أثر حتى لا تعاقبهم عليه ولا تعاتبهم { جعلوا أصابعهم } كراهة منهم واحتقاراً للداعي { في آذانهم } حقيقة لئلا يسمعوا الدعاء ، إشارة إلى أنا لا نريد أن نسمع ذلك منك ، فإن أبيت إلا الدعاء فإنا لا نسمع لسد أسماعنا ودل على الإفراط في كراهة الدعاء بما ترجم عنه قوله : { واستغشوا ثيابهم } أي : أوجدوا التغطية لرؤوسهم بثيابهم لئلا يبصروه كراهة للنظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله تعالى ، وهكذا حال النصحاء مع من ينصحونه دائماً . { وأصروا } أي : أكبوا على الكفر وعلى المعاصي من أصر الحمار على العانة ، وهي القطيع من الوحش إذا صر أذنيه وأقبل عليها يكدمها ويطردها { واستكبروا } أي : أوجدوا الكبر طالبين له راغبين فيه وأكد ذلك بقوله : { استكباراً } تنبيهاً على أن فعلهم منابذ للحكمة ، وقد أفادت هذه الآيات بالصريح في غير موضع أنهم عصوا نوحاً عليه السلام وخالفوه مخالفة لا أقبح منها ظاهراً بتعطيل الأسماع والأبصار وباطناً بالإصرار والاستكبار .