قوله : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ } ، أي : إلى سبب المغفرةِ ، وهي الإيمانُ بك والطاعة لك { جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ } لئلاَّ يسمعُوا دُعائِي { واستغشوا ثِيَابَهُمْ } أي : غطُّوا بها وجوههم لئلاَّ يرون .
قال ابن عبَّاسٍ : جعلوا ثيابهم على رءوسهم لئلاَّ يسمعوا كلامي ، فاستغشاءُ الثِّياب إذن زيادة في سدِّ الآذان حتى لا يسمعوا ، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت ، أو ليعرفوه إعراضهم عنه{[57987]} .
وقيل : هو كنايةٌ عن العداوةِ ، يقال : لبس فلانٌ ثياب العداوةِ «وأصَرُّوا » على الكفر فلم يتوبوا ، «واسْتَكْبَرُوا » عن قبول الحق ، وهو قولهم : { أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون }[ الشعراء : 111 ] .
قوله : «لِتَغْفِرَ » ، يجوز أن تكون للتعليل ، والمدعو إليه محذوفٌ ، أي : دعوتهم للإيمان بك لأجلِ مغفرتك لهم ، وأن تكونَ لام التَّعديةِ ، ويكون قد عبَّر عن السبب بالمسبب ، الذي هو حظهم ، والأصل دعوتهم للتوبة التي هي سببٌ في الغفران .
و «جَعلُوا » ، هو العامل في «كُلَّمَا » وهو خبر «إنِّي » .
قوله : «جِهَاراً » ، يجوز أن تكون مصدراً من المعنى ؛ لأنَّ المعنى يكون جهاراً وغيره ، فهو من باب «قعد القُرفُصَاء » ، وأن يكون المرادُ ب «دعوتهم » : جاهرتهم . وأن يكون نعت مصدر محذوف أي : دعاء جهاراً .
وأن يكون مصدراً في موضع الحالِ ، أي : مجاهراً ، أو ذا جهارٍ ، أو جعل نفس المصدر مبالغة .
قال الزمخشريُّ : «فإن قلت : ذكر أنه دعاهم ليلاً ونهاراً ، ثم دعاهم جهاراً ، ثُمَّ دعاهم في السرِّ والعلن فيجب أن يكون ثلاث دعواتٍ مختلفاتٍ ، حتى يصح العطفُ .
قلتُ : قد فعل - عليه السلام - كما يفعل الذي يأمُر بالمعروفِ ، وينهى عن المنكرِ في الابتداء بالأهون ، والترقي إلى الأشدِّ فالأشدِّ ، فافتتح في المناصحة بالسرِّ فلما لم يقبلوا ثَنَّى بالمجاهرة ، فلمَّا لم يقبلوا ثلَّث بالجمع بين السرِّ والإعلان ، ومعنى " ثُمَّ " للدلالة على تباعد الأحوال ؛ لأن الجهاد إذا غلظ من الإسرار ، والجمعُ بين الأمرين ، أغلظُ من إفراد أحدهما » .
وقال أبو حيان{[57988]} : «وتكرر كثيراً له أنَّ " ثُمَّ " للاستبعاد ، ولا نعلمه لغيره » .
وقوله : «اسْتِكبَاراً » . قال القرطبيُّ{[57989]} : تفخيم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.