فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

{ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ( 7 ) ثم إني دعوتهم جهارا ( 8 ) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ( 9 ) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا ( 10 ) يرسل السماء عليكم مدرارا ( 11 ) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( 12 ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( 13 ) وقد خلقكم أطوارا ( 14 ) }

{ وإني كلما } دعوتهم إلى سبب المغفرة وهو الإيمان بك والطاعة لك { لتغفر لهم } أي لأجل مغفرتك لهم ، أو اللام للتعدية ويكون قد عبر عن السبب بالمسبب ، والأصل دعوتهم للتوبة التي هي سبب في الغفران ، فأطلق الغفران وأريد به التوبة { جعلوا أصابعهم في آذانهم } لئلا يسمعوا صوتي ، وقال ابن عباس لئلا يسمعوا ما يقول .

{ واستغشوا ثيابهم } أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني ، وقيل جعلوا ثيابهم على رؤوسهم لئلا يسمعوا كلامي ، فيكون استغشاء الثياب على هذا زيادة في سد الأذان ، وقيل هو كناية عن العدواة ، يقال لبس فلان ثياب العداوة ، وقيل استغشوا ثيابهم لئلا يعرفهم فيدعوهم ، وقال ابن عباس : ليتنكروا فلا يعرفهم ، وعنه قال : غطوا وجوههم لئلا يروا نوحا ولا يسمعوا كلامه ، وقد أفادت هذه الآية بالتصريح أنهم عصوا نوحا وخالفوه مخالفة لا أقبح منها ظاهرا بتعطيل الأسماع والأبصار ، وباطنا بالإصرار والاستكبار كما قال تعالى { وأصروا } أي استمروا على الكفر ولم يقلعوا عنه ولا تابوا عنه { واستكبروا } عن قبول الحق وعن امتثال ما أمرهم به { استكبارا } شديدا وذكر المصدر دليل على فرط استكبارهم قال ابن عباس : تركوا التوبة .