نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوۡتُهُمۡ لِتَغۡفِرَ لَهُمۡ جَعَلُوٓاْ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَٱسۡتَغۡشَوۡاْ ثِيَابَهُمۡ وَأَصَرُّواْ وَٱسۡتَكۡبَرُواْ ٱسۡتِكۡبَارٗا} (7)

ولما كان الفرار مجازاً عن رد كلامه ، عطف عليه ما يبينه ، فقال مؤكداً لأن إعراضهم مع هذا الدعاء الطويل مما لا يكاد يصدق : { وإني كلما } على تكرار الأوقات وتعاقب الساعات { دعوتهم } أي إلى الإقبال عليك بالإيمان بك{[68638]} والإخلاص لك .

ولما كان إعراضهم عما ينفعهم أقبح ، ذكر ما يتسبب {[68639]}عن الإجابة بالإيمان فقال : { لتغفر لهم } أي ليؤمنوا فتمحو ما فرطوا فيه في{[68640]} حقك فأفرطوا لأجله في التجاوز في الحدود محواً بالغاً فلا يبقى{[68641]} لشيء من ذلك عيناً{[68642]} ولا أثراً حتى لا تعاقبهم عليه ولا تعاتبهم { جعلوا } أي{[68643]} في كل دعاء ، ودل على مبالغتهم في التصامم بالتعبير بالكل عن البعض فقال : { أصابعهم } كراهة له واحتقاراً للداعي { في آذانهم } حقيقة لئلا يسمعون الدعاء إشارة إلى أنا لا نريد أن نسمع ذلك منك ، فإن أبيت إلا الدعاء فإنا لا نسمع لسد أسماعنا ، ودلوا على الإفراط في كراهة الدعاء{[68644]} بما ترجم عنه قوله : { واستغشوا ثيابهم } أي أوجدوا التغطية لرؤوسهم بثيابهم إيجاد{[68645]} من هو طالب لذلك شديد الرغبة فيه حتى يجمعوا بين ما يمنع السماع لكلامه والنظر إليه إظهاراً لكراهته وكراهة كلامه{[68646]} ، وهكذا حال النصحاء مع من ينصحونه دائماً { وأصروا } أي داموا على سوء أعمالهم دواماً هم{[68647]} في غاية الإقبال{[68648]} عليه ، من أصر الحمار على العانة - إذا صر أذنيه وأقبل عليها{[68649]} يطردها ويكدمها ، استعير للإقبال على المعاصي وملازمتها لأنه يكون بغاية{[68650]} الرغبة كأن فاعله حمار وحش قد ثارت شهوته { واستكبروا } أي أوجدوا الكبر طالبين له راغبين فيه ، وأكد ذلك بقوله : { استكباراً * } تنبيهاً على أن فعلهم منابذ للحكمة ، فكان مما{[68651]} ينبغي أن لا يفعلوه{[68652]} فهو مما{[68653]} لا يكاد يصدق لذلك ، وقد نادت هذه الآيات بالتصريح في غير موضع بأنهم عصوا نوحاً عليه الصلاة والسلام وخالفوه مخالفة لا{[68654]} أقبح منها ظاهراً بتعطيل الأسماع والأبصار ، وباطناً بالإصرار{[68655]} والاستكبار ولم يوافقوه بقول ولا فعل ، فلعنة الله عليهم وعلى من يقول : إنهم وافقوه بالفعل{[68656]} ، لأنه دعاهم للمغفرة وقد {[68657]}غطوا وجوههم{[68658]} ، والتغطية هي الغفر ونحو ذلك من الخرافات التي {[68659]}لو سمعها أسخف{[68660]} عباد الحجارة الذين لا أسخف منهم لهزؤوا بقائلها ، وما قال هذا القائل ذلك إلا تحريفاً لكتاب الله بنحو تحريف الباطنية الذين أجمعت الأمة على تكفيرهم لذلك التحريف ، ولعنة الله على من يشك في كفر من يحرف هذا التحريف أو يتوقف في لعنه ، وهم الاتحادية الذين مرقوا من الدين في آخر الزمان ، ومن أكابرهم الحلاج وابن عربي وابن الفارض ، وتبعهم على مثل هذا الهذيان أسخف الناس عقولاً

إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً }[ الفرقان : 44 ] ولقد أخبرني الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم{[68661]} بن أبي شريف القدسي الشافعي الثبت النحرير عن بعض من يتعصب{[68662]} لهم في هذا الزمان ، وهو من أعيان المدرسين بالقاهرة ، أنه قال له{[68663]} : ما حملني على انتقادي لابن الفارض إلا أني رأيت كلام التائية له متناقضاً ، فتارة يفهم منها الحلول وتارة الاتحاد ، وهو عندي يحاشى عن ذلك ، فعلمت أن لهؤلاء القوم اصطلاحاً نسبتنا منه{[68664]} نسبة التباين إذا سمعوا النحوي يقول : الفاعل مرفوع ، فإنهم يضحكون منه ، ولو فهمنا اصطلاحهم لم نعترض - {[68665]}هذا معنى{[68666]} ما نقل عنه وهو ما لا يرضاه ذو مسكة ، وهو شبيه بما نقل المسعودي في أوائل مروج الذهب عن بعض من اتهم بعقل وعلم من النصارى في زمن أحمد بن طولون ، فاختبره فوجده في{[68667]} العلم كما وصف ، فسأله عن سبب ثباته على النصرانية مع علمه فقال{[68668]} : السبب تناقضها مع أنه دان بها ملوك متكبرون وعلماء متبحرون ورهبان عن الدنيا معرضون و{[68669]}مدبرون ، فعلمت أنه ما جمع هؤلاء الأصناف على الدينونة بها مع تناقضها إلا أمر عظيم اضطرهم لذلك ، فدنت بها ، فقال له : اذهب في لعنة الله فلقد ضيعت كل عقل وصفت ، ولقد والله صدق في الأمر العظيم الذي حملهم على ذلك ، وهو القضاء والقدرة الذي حمل{[68670]} كل أحد منهم على إلقاء نفسه في نار جهنم باختياره بل برغبته في ذلك ومقاتلة من يصده عن ذلك ، وذلك أدل دليل على تمام علم الله وقدرته وأنه واحد لا شريك له ولا معقب لحكمه ، وفي هذا تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع " وهم أهل{[68671]} الكتاب ، وقد أشبعت القول {[68672]}في هذا{[68673]} في كتابي " القارض{[68674]} في تكفير ابن الفارض " الذي بينت فيه عوارهم ، وأظهرت{[68675]} عارهم ، وكذا كتابي " صواب الجواب للسائل المرتاب{[68676]} " و " تدمير المعارض في تكفير ابن الفارض " ولم أبق على شيء من ذلك شيئاً من لبس - {[68677]}ولله الحمد{[68678]} .


[68638]:- زيد من ظ وم.
[68639]:- من ظ وم، وفي الأصل: تسبب.
[68640]:- من ظ وم، وفي الأصل: عن.
[68641]:- زيد من ظ وم.
[68642]:- من ظ وم، وفي الأصل: عين.
[68643]:- سقط من ظ وم.
[68644]:- في الأصل بياض مارناه من ظ وم.
[68645]:- من ظ وم، وفي الأصل: اتخاذ.
[68646]:-من ظ وم، وفي الأصل: لكلامه.
[68647]:- زيد في الأصل: فيه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68648]:- تكرر في الأصل فقط.
[68649]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه.
[68650]:- من ظ وم، وفي الأصل: في غاية.
[68651]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا ينبغي أن يفعلوه.
[68652]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا ينبغي أن يفعلوه.
[68653]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما.
[68654]:- زيد في الأصل: مخالفة، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68655]:- زيد في الأصل: والنجر، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68656]:- من ظ وم، وفي الأصل: في الفعل.
[68657]:- من ظ وم، وفي الأصل: عطوهم.
[68658]:- من ظ وم، وفي الأصل: عطوهم.
[68659]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم يسمعها استخفا.
[68660]:- من ظ وم، وفي الأصل: لم يسمعها استخفا.
[68661]:- زيد من ظ ومعجم المؤلفين 1/ 38.
[68662]:- من ظ وم، وفي الأصل: تعصب.
[68663]:- زيد من ظ وم.
[68664]:- من ظ وم، وفي الأصل: إليه.
[68665]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهذا المعنى.
[68666]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهذا المعنى.
[68667]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
[68668]:- زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68669]:- زيد من م.
[68670]:- زيد من م.
[68671]:- زيد في الأصل: هذا، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68672]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[68673]:- من ظ وم، وفي الأصل: فيه.
[68674]:- من م، وفي الأصل وظ: الفرائض.
[68675]:- زيد في الأصل: فيه، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[68676]:- زيد من ظ وم.
[68677]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحمد لله.
[68678]:- من ظ وم، وفي الأصل: الحمد لله.