قوله تعالى : { وقالوا } يعني : المشركين .
قوله تعالى : { هذه أنعام وحرث حجر } ، أي حرام ، يعني : ما جعلوا لله ولآلهتهم من الحرث والأنعام على ما مضى ذكره .
وقال مجاهد : يعني بالأنعام : البحيرة والسائبة والوصيلة والحام .
قوله تعالى : { لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم } ، يعنون الرجال دون النساء .
قوله تعالى : { وأنعام حرمت ظهورها } ، هي : الحوامي كانوا لا يركبونها .
قوله تعالى : { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } ، أي : يذبحونها باسم الأصنام لا باسم الله ، وقال أبو وائل : معناه لا يحجون عليها ولا يركبونها لفعل الخير ، لأنه جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير عبر بذكر الله تعالى عن فعل الخير .
قوله تعالى : { افتراء عليه } يعني : أنهم يفعلون ذلك ، ويزعمون أن الله أمرهم به افتراءً .
ثم حكى القرآن رذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة ، وهى أن أوهام الجاهلية وضلالاتها ساقتهم إلى عزل قسم من أموالهم لتكون حكرا على آلهتهم بحيث لا ينتفع بها أحد سوى سدنتها ، ثم عمدوا إلى قسم من الأنعام فحرموا ركوبها وعمدوا إلى قسم آخر فحرموا أن يذكر اسم الله عليها عند ذبحها أو ركوبها إلى آخر تلك الأوهام المفتراة .
استمع إلى القرآن وهو يقص ذلك فيقول : { وَقَالُواْ هذه أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ } .
حجر : بمعنى المحجور أى : الممنوع من التصرف فيه ، ومنه قيل للعقل حجر لكون الإنسان فى منع منه مما تدعوه إليه نفسه من اثام .
أى : ومن بين أوهام المشركين وضلالتهم أنهم يقتطعون بعض أنعامهم وأقواتهم من الحبوب وغيرها ويقولون : هذه الأنعام وتلك الزروع محجورة علينا أى : محرمة ممنوعة ، لا يأكل منها إلا من نشاء ، يعنون : خدم الأوثان والرجال دون النساء أى : لا يأكل منها إلا خدم الأوثان والرجال فقط .
وقوله : { بِزَعْمِهِمْ } متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قالوا . أى : قالوا ذلك متلبسين بزعمهم الباطل من غير حجة .
وقوله : { وَقَالُواْ هذه } الإشارة إلى ما جعلوه لآلهتهم ، والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله : { أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ } وقوله { حِجْرٌ } صفة لأنعام وحرث ، وقوله { لاَّ يَطْعَمُهَآ } صفة ثانية لأنعام وحرث .
هذا هو النوع الأول الذى ذكرته الآية من أنواع ضلالاتهم .
أما النوع الثانى فهو قوله - تعالى - { وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا } أى : وقالوا مشيرين إلى طائفة أخرى من أنعامهم : هذه أنعام حرمت ظهورها فلا تركب ولا يحمل عليها ، يعنون بها البحائر والسوائب والوصائل والحوامى التى كانوا يزعمون أنها تعتق وتقصى لأجل الآلهة .
فقوله { وَأَنْعَامٌ } خبر لمبتدأ محذو والجملة معطوفة على قوله { هذه أَنْعَامٌ } .
وأما النوع الثالث من أنواع اختراعاتهم الذى ذكرته الآية فهو قوله : { وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا } .
أى : وقالوا أيضاً هذه أنعام لا يذكر اسم الله عليها عند الذبح ، وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام لأنها ذبحت من أجلها .
وقد عقب - سبحانه - على تلك الأقسام الثلاثة الباطلة بقوله : { افترآء عَلَيْهِ } أى فعلوا ما فعلوا من هذه الأباطيل وقالوا ما قالوا من تلك المزاعم من أجل الافتراء على الله وعلى دينه ، فإنه - سبحانه - لم يأذن لهم فى ذلك ولا رضيه منهم .
ثم ختمت الآية بهذا التهديد الشديد حيث قال : - سبحانه - { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أى : سيجزيهم الجزاء الشديد الأليم بسبب هذا الافتراء القبيح .
{ وقالوا هذه } إشارة إلى ما جعل لآلهتهم . { أنعام وحرث حجر } حرام فعل بمعنى مفعول ، كالذبح يستوي فيه الواحد والكثير والذكر والأنثى . وقرئ { حجر } بالضم وحرج أي مضيق . { لا يطعمها إلا من نشاء } يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء . { بزعمهم } من غير حجة . { وأنعام حرمت ظهورها } يعني البحائر والسوائب والحوامي . { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } في الذبح وإنما يذكرون أسماء الأصنام عليها ، وقيل لا يحجون على ظهورها . { افتراء عليه } نصب على المصدر لأن ما قالوا تقول على الله سبحانه وتعالى ، والجار متعلق ب{ قالوا } أو بمحذوف هو صفة له أو على الحال ، أو على المفعول له والجار متعلق به أو بالمحذوف . { سيجزيهم بما كانوا يفترون } بسببه أو بدله .
هذه الآية تتضمن تعديد ما شرعوه لأنفهسم والتزموه على جهة القربة كذباً منهم على الله وافتراء عليه ، فوصف تعالى أنهم عمدوا إلى بعض أنعامهم وهي الإبل والبقر والغنم أو الإبل بانفرادها ، وما غيرها إذا انفرد فلا يقال له أنعام ، وإلى بعض زروعهم وثمارهم ، وسمي ذلك «حرثاً » إذ عن الحرث يكون ، وقالوا هذه حجر أي حرام ، وقرأ جمهور الناس «حِجْر » بكسر الحاء وسكون الجيم ، وقرأ قتادة والحسن والأعرج «حُجْر » بضم الحاء وسكون الجيم ، وقرأ ابن عباس وأبيّ وابن مسعود وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار «حِرْج » بكسر الحاء وتقديم الراء على الجيم وسكونها ، فالأولى والثانية بمعنى التحجير وهو المنع والتحريم{[5113]} ، والأخيرة من الحرج وهو التضييق والتحريم{[5114]} ، وكانت هذه الأنعام على ما قال ابن زيد محللة للرجال محرمة على النساء ، وقيل كانت وقفاً لمطعم سدنة بيوت الأصنام وخدمتها ، حكاه المهدوي ، فذلك المراد بقوله { من نشاء } وقوله { بزعمهم } أي بتقولهم الذي هو أقرب إلى الباطل منه إلى الحق ، و «زعمهم » هنا هو في قولهم «حجر » وتحريمهم بذلك ما لم يحرم الله تعالى ، وقرأ ابن أبي عبلة «بزَعَمهم » بفتح الزاي والعين ، وكذلك في الذي تقدم ، { وأنعام حرمت ظهورها } كانت للعرب سنن ، إذا فعلت الناقة كذا من جودة النسل والمواصلة بين الإناث ونحوه حرم ظهورها فلم تركب وإذا فعل الفحل كذا وكذا حرم فعدد الله ذلك على جهة الرد عليهم إذ شرعوا بذلك برأيهم وكذبهم . { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } قيل كانت لهم سنة في أنعام ما أن لا يحج عليها فكانت تركب في كل وجه إلا في الحج ، فذلك قوله { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } هذا قول جماعة من المفسرين .
ويروى ذلك عن أبي وائل ، وقالت فرقة : بل ذلك في الذبائح يريد أنهم جعلوا لآلهتهم منها نصيباً لا يذكرون الله على ذبحها ، وقوله { افتراء } مصدر نصب على المفعول من أجله أو على إضمار فعل تقديره يفترون ذلك ، و { سيجزيهم } وعيد بمجازاة الآخرة ، والضمير في { عليه } عائد على اسم الله ، و { يفترون } أي يكذبون ويختلقون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.