فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ هَٰذِهِۦٓ أَنۡعَٰمٞ وَحَرۡثٌ حِجۡرٞ لَّا يَطۡعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعۡمِهِمۡ وَأَنۡعَٰمٌ حُرِّمَتۡ ظُهُورُهَا وَأَنۡعَٰمٞ لَّا يَذۡكُرُونَ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا ٱفۡتِرَآءً عَلَيۡهِۚ سَيَجۡزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (138)

هذا بيان نوع آخر من جهالاتهم وضلالاتهم ، والحجر بكسر أوّله وسكون ثانيه في قراءة الجمهور . وقرأ أبان بن عثمان «حجر » بضم الحاء والجيم ، وقرأ الحسن وقتادة بفتح الحاء وإسكان الجيم ، وقرأ ابن عباس وابن الزبير «حرج » بتقديم الراء على الجيم ، وكذا هو في مصحف أُبيّ ، وهو من الحرج ، يقال فلان يتحرّج ، أي يضيق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه . والحجر على اختلاف القراءات فيه هو مصدر بمعنى اسم المفعول ، أي محجور ، وأصله المنع ، فمعنى الآية : هذه أنعام وحرث ممنوعة ، يعنون أنها لأصنامهم ، لا يطعمها إلا من يشاءون بزعمهم ، وهم خدام الأصنام . والقسم الثاني قولهم : { وأنعام حُرّمَتْ ظُهُورُهَا } وهي البحيرة والسائبة والحام . وقيل : إن هذا القسم الثاني مما جعلوه لآلهتهم أيضاً . والقسم الثالث : { أنعام لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا } وهي ما ذبحوا لآلهتهم فإنهم يذبحونها باسم أصنامهم لا باسم الله . وقيل : إن المراد لا يحجون عليها افتراء على الله ، أي للافتراء عليه { سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } أي بافترائهم أو بالذي يفترونه ، ويجوز أن يكون افتراء منتصباً على أنه مصدر ، أي افتروا افتراء أو حال ، أي مفترين ، وانتصابه على العلة أظهر ، ثم بين الله سبحانه نوعاً آخر من جهالاتهم .

/خ140