الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَقَالُواْ هَٰذِهِۦٓ أَنۡعَٰمٞ وَحَرۡثٌ حِجۡرٞ لَّا يَطۡعَمُهَآ إِلَّا مَن نَّشَآءُ بِزَعۡمِهِمۡ وَأَنۡعَٰمٌ حُرِّمَتۡ ظُهُورُهَا وَأَنۡعَٰمٞ لَّا يَذۡكُرُونَ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا ٱفۡتِرَآءً عَلَيۡهِۚ سَيَجۡزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ} (138)

قوله : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر{[22009]} } الآية [ 139 ] .

قرأ أبان بن عثمان ( حُجُر ) بالضم ( للحاء والجيم ){[22010]} . وقرأ قتادة والحسن ( حُجْر ) بضم{[22011]} الحاء{[22012]} وإسكان الجيم{[22013]} . وهي لغات في ( حِجْر ){[22014]} .

والحِجْرُ : الحرام{[22015]} ، يقال : حُجُرٌ وحُجْرٌ وحِجْرٌ ، وفيها لغة أخرى وهي ( حِرْجٌ ) بتقديم الراء ، مثل : ( جَبَذَ ){[22016]} و( جذب ){[22017]} .

وقيل : معنى ( حِرْج ) : ضيق ، من قولهم : ( فلان يتحرَّج ) أي : يُضَيِّق على نفسه{[22018]} .

وعن ابن عباس : ( وحَرْثٌ حِرْجٌ{[22019]} الراء قبل الجيم{[22020]} ، وكذا{[22021]} في مصحف أبيّ ، ومعناه ما ذكرنا{[22022]} .

ومعنى الآية : أن الله حكى عن المشركين أنهم يحرمون ويحللون من عند أنفسهم تَخرُّقا{[22023]} منهم وتَقوُّلا{[22024]} بما لم ينزل الله ولا أمر به ، و( الحرث ) – هنا – ( هو ){[22025]} ما ذكر في الآية الأولى{[22026]} من جعلهم{[22027]} لله ثم يردونه إلى آلهتهم ، و( الانعام : قيل ){[22028]} إنهم كانوا يجعلون لله أنعاما ، فإذا ولدت الأنثى أكلوه ، ويجعلون لآلهتهم أنعاما ، فإذا ولدت الأنثى عظموه ، ويأكلون الميتة مما لله{[22029]} . وقيل : الأنعام هنا ( هي ){[22030]} البحيرة{[22031]} وما بعدها مما ذكر في ( المائدة ){[22032]} .

والحجر : الحرام ، ومنه : { ويقولون حجرا{[22033]} محجورا }{[22034]} أي : حراما محرما{[22035]} .

{ وأنعام حرمت ظهورها } هو{[22036]} الحامي{[22037]} : وقيل : هي البحيرة كانوا لا يحجون عليها . والحامي : البعير الذي يحمي ظهره ، وهو الذي قد ألقح{[22038]} ولد ولده ، فلا يركب ولا يجز ( له وبر ){[22039]} ، ولا يمنع مرعى ، وأي إبل ضرب فيها لم ( يمنع منها ){[22040]} .

والبحيرة : هي التي{[22041]} يبحر أذنها ، أي : يشق ، ويحرم لحمها على الرجال والنساء . وقيل : البحيرة : ابنة السائبة . والسائبة : الناقة كانت إذا نتجت سبعة أبطن سيبت فلم تركب ولم يجز لها وَبَرٌ ، وبحرت{[22042]} أذن ابنتها{[22043]} وأجريت مجراها{[22044]} . وقد ذكر هذا في ( المائدة ) بأشبع من هذا{[22045]} .

وقوله : { وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها } : هو ما ذبحوه لآلهتهم ، لا يذكرون اسم الله [ عليه ]{[22046]} . وقوله : { إلا من نشاء بزعمهم }{[22047]} كانوا يذبحون أشياء لا يأكلها{[22048]} إلا خدمة الأصنام{[22049]} . وقيل : كانت البحيرة لا تركب ولا يحمل عليها شيء ذكر عليه اسم الله{[22050]} .

{ افتراء عليه } أي : كذبا على الله ، سيجزيهم بكذبهم{[22051]} .

وقد روي عن الدوري{[22052]} عن الكسائي{[22053]} ( افتراء ){[22054]} بالإمالة{[22055]} ، والفتح أشهر ، وكذلك ذكر أبو الحارث{[22056]} عن الكسائي ، ( قال الكسائي ){[22057]} لأنه مصدر لا أميله .


[22009]:ساقطة من ب د.
[22010]:ب د: الجيم والحاء. وانظر: إعراب النحاس 1/583 وهي قراءة عيسى بن عمر في مختصر ابن خالويه 41.
[22011]:ب د: بالضم.
[22012]:ب: والحا. د: للحاء.
[22013]:انظر: تفسير الطبري 12/141، وإعراب النحاس 1/583.
[22014]:وهي (بمعنى) في إعراب النحاس 1/583.
[22015]:انظر: مجاز أبي عبيدة 1/207، ومعاني الأخفش 504، 505.
[22016]:ب د: جبد.
[22017]:ب: حدب. وانظر: تفسير الطبري 12/140 وما بعدها، إلا أنه لم يذكر (حُجُر) بضمتين، وانظر: إعراب النحاس 1/583.
[22018]:(أي يضيّق على نفسه الدخول فيما يشتبه عليه بالحرام) إعراب النحاس 1/583، 584.
[22019]:ب د: حجر.
[22020]:انظر: تفسير الطبري 12/142.
[22021]:ب د: كذلك.
[22022]:انظر: إعراب النحاس 1/583 وفيه أنهاء رواية عن ابن الزبير أيضا. وابن خالويه لم يذكر في مختصر غير أبي قرأ بها 41.
[22023]:ب: تحرقا.
[22024]:ب: هولا.
[22025]:ساقطة من د.
[22026]:الأنعام آية 137.
[22027]:ب د: جعله.
[22028]:ب: الاتمام قبل.
[22029]:انظر: تفسير الطبري 12/139.
[22030]:أ: في، ساقطة من د.
[22031]:ب: المحيرة.
[22032]:أي: في الآية 105، وهو قول مجاهد في تفسير الطبري 12/139.
[22033]:د: حجر.
[22034]:الفرقان آية 22.
[22035]:انظر: تفسير الطبري 12/140، وفيه روايات بهذا المعنى في 12/143، 144.
[22036]:ب د : وهو
[22037]:هو قول ابن قتيبة في غريبه 161.
[22038]:ب: انفخ.
[22039]:د: وبره.
[22040]:د: يمنع منها.
[22041]:ب: الذي.
[22042]:ب د: بحر.
[22043]:د: بنتها.
[22044]:د: مجرها.
[22045]:انظر: تفسير الآية 105 من (المائدة) في هذا الكتاب، وبعض الروايات في تفسير الطبري 12/143 وما بعدها.
[22046]:ساقطة من أ. وانظر: تفسير الطبري 12/144، 145.
[22047]:هي في أوائل الآية التي نحن في رحابها وقبل قوله {وأنعام حرمت}، ومكي ذكرها ضمن أواخر الآية.
[22048]:ب د: تأكلها.
[22049]:حكاه المهدوي في المحرر 6/159 و160، وانظر: تفسير البحر 4/231.
[22050]:انظر: تفسير الطبري 12/144، 145.
[22051]:انظر: تفسير الطبري 12/146.
[22052]:هو أبو عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان الدوري الأزدي البغدادي النحوي، أول من جمع القراءات، ثقة ثبت ضابط، توفي سنة 246 هـ. انظر: الغابة 1/255 – 257.
[22053]:انظر : رواية الدوري لما يميله الكسائي في تيسر الداني 49 وما بعدها.
[22054]:في (أ) عليها مد هكذا: افتراء. د: افترا.
[22055]:(والإمالة: أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، وبالألف نحو الياء، كثيرا: وهو المحض، ويقال له الإضجاع، ويقال له: البطح، وربما قيل له الكسر أيضا. وقليلا: وهو بين اللفظين. ويقال له أيضا: التقليل والتلطيف، وبين بين. فهي – بهذا الاعتبار – تنقسم أيضا إلى قسمين: إمالة شديدة وإمالة متوسطة، وكلاهما جائز في القراءة، جار في لغة العرب، والإمالة الشديدة يجتنب معها القلب الخالص والإشباع المبالغ فيه، والإمالة المتوسطة بين الفتح المتوسط وبين الإمالة الشديدة) انظر: النشر 2/30، وانظر: فيه 2/32 أيضا أسباب الإمالة.
[22056]:وهو أبو الحارث الليث بن خالد البغدادي، ثقة، معروف حاذق.عرض على الكسائي وهو من جلة أصحابه. عنه: ابن يحيى وغيره. توفي سنة 240 هـ. انظر: الغاية 2/34.
[22057]:ساقطة من ب.