معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا} (79)

قوله تعالى : { أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } ، قال كعب : كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى ، وخمسة يعلمون في البحر . وفيه دليل على أن المسكين وإن كان يملك شيئاً فلا يزول عنه اسم المسكنة إذا لم يقم ما يملكه بكفايته ، يعملون في البحر أي : يؤجرون ويكتسبون بها ، { فأردت أن أعيبها } ، أجعلها ذات عيب . { وكان وراءهم } أي أمامهم { ملك } كقوله : { من ورائه جهنم } [ إبراهيم – 16 ] . وقيل : وراءهم خلفهم ، وكان رجوعهم في طريقهم عليه ، والأول أصح ، يدل عليه قراءة ابن عباس وكان أمامه ملك . { يأخذ كل سفينة غصباً } أي : كل سفينة صالحة غصباً ، وكان ابن عباس يقرأ كذلك ، فخرقها وعيبها الخضر حتى لا يأخذها الملك الغاصب ، وكان اسمه الجلندى وكان كافراً . قال محمد بن إسحاق : اسمه متوله بن جلندى الأزدى . وقال شعيب الجبائي : اسمه هدد بن بدد . وروي أن الخضر اعتذر إلى القوم وذكر لهم شأن الملك الغاصب ، ولم يكونوا يعلمون بخبره ، وقال : أردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها ، فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها ، قيل : سدوها بقارورة . وقيل : بالقار .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا} (79)

ثم حكى القرآن الكريم ما قاله الخضر لموسى عليهما السلام - فى هذا الشأن فقال - تعالى - : { أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً }

أى قال الخضر لموسى : { أما السفينة } التى خرقتها ولم ترض عنه ، { فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي البحر } أى : لضعفاء من الناس لا يستطيعون دفع الظلم عنهم ، ولم يكن لهم مال يتعيشون منه سواها ، فكان الناس يركبون فيها ويدفعون لهؤلاء المساكين الأجر الذين ينتفعون به .

{ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } أى : أن أجعلها ذات عيب بالخرق الذى خرقتها فيه ، ولم أرد أن أغرق أهلها كما ظننت يا موسى ، والسبب فى ذلك : أنه { كَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ } ، ظالم ، من دأبه أن يتعقب السفن الصالحة الصحيحة ، ويستولى عليها ، ويأخذها اغتصابا وقسرا من أصحابها .

فهذا العيب الذى أحدثته فى السفينة . كان سببا فى نجاتها من يد الملك الظالم ، وكان سببا فى بقائها فى أيدى أصحابها المساكين .

فالضرر الكبير الذى أحدثته بها ، كان دفعا لضرر أكبر كان ينتظر أصحابها المساكين لو بقيت سليمة .

ويرى بعضهم أن المراد بالوراء الأمام . ويرى آخرون أن المراد به الخلف . وقال الزجاج : وراء : يكون للخلف والأمام . ومعناه : ما توارى عنك واستتر .

وظاهر قوله - تعالى - : { يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً } ، يفيد أن هذا الملك كان يأخذ كل سفينة سواء أكانت صحيحة أم معيبة ، ولكن هذا الظاهر غير مراد . وإنما المراد : يأخذ كل سفينة سليمة . بدليل : فأردت أن أعيبها ، أى : لكى لا يأخذها ، ومن هنا قالوا : إن لفظ { سفينة } هنا موصوف لصفة محذوفة . أى : يأخذ كل سفينة صحيحة .

و { غصبا } ، منصوب على أنه مصدر مبين لنوع الأخذ . والغصب - من باب ضرب - : أخذ الشئ ظلما وقهرا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتۡ لِمَسَٰكِينَ يَعۡمَلُونَ فِي ٱلۡبَحۡرِ فَأَرَدتُّ أَنۡ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٞ يَأۡخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصۡبٗا} (79)

{ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر } لمحاويج ، وهو دليل على أن المسكين يطلق على من يملك شيئا إذا لم يكفه . وقيل سموا مساكين لعجزهم عن دفع الملك أو لزمانتهم فإنها كانت لعشرة إخوة خمسة زمنى وخمسة يعملون في البحر . { فأردت أن أعيبها } أن أجعلها ذات عيب . { وكان وراءهم ملك } قدامهم أو خلفهم وكان رجوعهم عليه ، واسمه جلندى بن كركر ، وقيل منوار بن جلندى الأزدي . { يأخذ كلّ سفينة غصبا } من أصحابها . وكان حق النظم أن يتأخر قوله { فأردت أن أعيبها } عن قوله { وكان وراءهم ملك } لأن إرادة التعيب مسببة عن خوف الغصب وإنما قدم للعناية أو لأن السبب لما كان مجموع الأمرين خوف الغصب ومسكنه الملاك رتبه على أقوى الجزأين وأدعاهما وعقبه بالآخر على سبيل التقييد والتتميم ، وقرئ " كل سفينة صالحة " والمعنى عليها .