قوله تعالى : { أم يقولون افتراه } محمد من قبل نفسه ، فقال الله عز وجل : { قل } يا محمد . { إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا } لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ، { هو أعلم } الله أعلم . { بما تفيضون فيه } تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر . { كفى به شهيداً بيني وبينكم } أن القرآن جاء من عنده ، { وهو الغفور الرحيم } في تأخير العذاب عنكم ، قال الزجاج : هذا دعاء لهم إلى التوبة ، معناه : إن الله عز وجل غفور لمن تاب منكم رحيم به .
ثم حكى - سبحانه - جانبا من أكاذيبهم فقال : { أَمْ يَقُولُونَ افتراه . . . } و " أم " هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة ، وتفيد الإِضراب والانتقال من حكاية أقوالهم الباطلة السابقة . إلى أقوال أخرى أشد منها بطلانا وكذبا . والاستفهام للإِنكار والتعجب من حالهم .
والافتراء : أشنع الكذب . أى : بل أيقول هؤلاء الكافرون لك - أيها الرسول الكريم - إنك إفتريت هذا القرآن واختلقته من عند نفسك ؟
ثم لقن الله - تعالى - نبيه - صلى الله عليه وسلم الرد الذى يخرسهم فقال { أَمْ يَقُولُونَ افتراه } .
أى : قل لهم - أيها الرسول الكريم - فى الرد على زعمهم أنك افتريت هذا القرآن : إن كنت على سبيل الفرض والتقدير قد افتريته من عند نفسى ، عاقبنى ربى ، ولا تستطيعون أنتم أو غيركم أن تمنعوا عنى شيئا من عذابه وعقابه ، وما دام الأمر كذلك فكيف أفتريه ، وأنا أعلم علم اليقين أن افتراء شئ منه يؤدى إلى عقابى ؟
فجواب " إن " فى قوله : { إِنِ افتريته } محذوف . وتقديره : عاجلنى بالعقوبة ، وقوله : { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً } قام مقامه .
قال - تعالى - : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } وقوله : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أى : الله - تعالى - الذى زعمتم أنى أفترى عليه الكذب ، هو أعلم منى ومنكم ومن كل المخلوقات ، بما تندفعون فيه من القدح فى آياته ، والإِعراض عن دعوته ، وسيجازيكم على ذلك بما تستحقونه من عقاب .
فقوله : { تُفِيضُونَ } من الإِفاضة ، وهى الأخذ فى الشئ باندفاع وعنف ، وأصله من فاض الإِناء ، إذا سال بشدة .
وقوله - سبحانه - : { كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغفور الرحيم } ترهيب لهم من الإِنسياق فى كفرهم ، وترغيب لهم فى الدخول فى الإِيمان لينالوا مغفرة الله - تعالى - ورحمته .
أى : كفى بشهادة الله - تعالى - بينى وبينكم شهادة ، فهو الذى يعلم أنى صادق فيما أبلغه عنه ، ويعلم أنكم الكاذبون فيما تزعمونه ، وهو - سبحانه - لاواسع المغفرة والرحمة ، لمن تاب إليه وأناب .
{ أم يقولون افتراه } إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحرا إلى ذكر ما هو أشنع منه وإنكار له وتعجيب . { قل إن افتريته } على الفرض . { فلا تملكون لي من الله شيئا } أي إن عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف أجترئ عليه وأعرض نفسي للعقاب من غير توقع نفع ولا دفع ضر من قبلكم . { هو أعلم بما تفيضون فيه } تندفعون فيه من القدح في آياته . { كفى به شهيدا بيني وبينكم } يشهد لي بالصدق والبلاغ وعليكم بالكذب والإنكار ، وهو وعيد بجزاء إفاضتهم ، { وهو الغفور الرحيم } وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم جرمهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.