تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

الآية 8 وقوله تعالى : { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا } هذا حرف المنابذة ؛ يقول : إن افتريته فلا تملكون أنتم دفع عقوبة ذلك الافتراء عن نفسي ، وهو كقوله تعالى : { أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعليّ إجرامي } [ هود : 35 ] يقول : عليّ إثم ذلك وجُرمه . وإنما يقال هذا عند انتهاء الحجج والبراهين غايتها حتى لا يُقطع منهم القبول والنجع فيهم ، ويُيأس منهم ، فعند ذلك يقال ذلك ، ويُنابَذ ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهو أعلم بما تُفيضون فيه } أي بما تخوضون فيه ، يقول هذا ، ويذكر لئلا يقولوا ، ولا يدّعوا غفلته عن ذلك ، بل يُذكّرهم أنه كان عالما بما يُسرّون ، ويُعلنون .

وقيل : { تُفيضون } من قولهم : أفاضوا إذا علموا ، وتحدّثوا ، وهو قول القتبيّ .

وقوله تعالى : { كفى به شهيدا بيني وبينكم } يخرّج على وجهين :

أحدهما : أي يشهدون في الآخرة أنه قد بلّغ رسالته .

والثاني : أي كفى به شهيدا بيني وبينكم في الدنيا بما علم ما كان منكم من الشرك والتكذيب ومنّي من التبليغ ، فهو شاهد بما كان منّي ومنكم في الدنيا من سرّ وعلانية ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وهو الغفور الرحيم } ذُكر هذا في هذا الموضع على إثر ما ذكر من غاية سفههم تعنُّتهم ، والله أعلم ، كأنه يقول : إنكم وإن بلغتم في السَّفه ما بلغتم ، فإنكم إذا رجعتم عن ذلك ، وتُبتم ، يغفر لك ما كان منكم ، والله أعلم .

ثم قوله تعالى : { ومن أضلّ ممن يدعو من دون الله } [ الأحقاف : 5 ] إنه كان على حقيقة العبادة فهو صلة قوله : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات } [ الأحقاف : 4 ] يقول ، والله أعلم : ومن أضلّ /509-أمن يعبد من لا يملك ما ذكر من خلق الأرض ، وله{[19280]} شريك في السماوات وممّن{[19281]} ترك عبادة من خلق السماوات وخلق الأرض ، وشهد كل شيء له بذلك ، وأتى بالحُجج والبراهين على ذلك ، أي لا أحد أضلّ ممن ترك عبادة من هذا وصفه ، وصرف العبادة إلى الذي لا يملك شيئا من ذلك ، والله أعلم .

وإن كان على الدعاء نفسه فهو صلة ما ذكر من قوله : { لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون } [ الأحقاف : 5 ] أي ومن أضل ممن يدعو الله من دون الله : من لا يملك إجابته ، ويسمع دعاءه ، ويقدر على قضاء ما يدعون ، ويسألون ، أي لا أحد أضلّ ممن اختار دعاء من لا يملك شيئا من ذلك كلّه . يُسفّههم في صنيعهم واختيارهم ما اختاروا ، والله أعلم .


[19280]:في الأصل وم: ولا له.
[19281]:في الأصل وم: وما ذكر.