فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

{ أَمْ يَقُولُونَ افتراه } أم هي المنقطعة : أي بل أيقولون افتراه ؟ والاستفهام للإنكار والتعجب من صنيعهم ، وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحراً إلى قولهم : إن رسول الله افترى ما جاء به ، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفى . ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال : { قُلْ إِنِ افتريته فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ الله شَيْئاً } أي قل إن افتريته على سبيل الفرض والتقدير ، كما تدّعون ، فلا تقدرون على أن تردّوا عني عقاب الله ، فكيف أفتري عل الله لأجلكم ، وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني ؟ { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي تخوضون فيه من التكذيب ، والإفاضة في الشيء : الخوض فيه ، والاندفاع فيه ، يقال : أفاضوا في الحديث ، أي اندفعوا فيه ، وأفاض البعير : إذا دفع جرّته من كرشه ، والمعنى : الله أعلم بما تقولون في القرآن ، وتخوضون فيه من التكذيب له ، والقول بأنه سحر وكهانة : { كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده ، وأني قد بلغتكم ، ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود ، وفي هذا وعيد شديد { وَهُوَ الغفور الرحيم } لمن تاب وآمن ، وصدّق بالقرآن وعمل بما فيه : أي كثير المغفرة والرحمة بليغهما .

/خ9