فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

{ أم يقولون افتراه ؟ } أم هي المنقطعة المقدرة ببل والهمزة ، أي بل أيقولون ؟ والإستفهام للإنكار ، والتعجب من صنيعهم وبل للانتقال عن تسميتهم الآيات سحرا إلى قولهم : إن رسول الله افترى ما جاء به ، والظاهر أن الافتراء على الله أشنع من السحر ، لا يحتاج إلى البيان ، وإن كان كلاهما كفرا ، وفي ذلك من التوبيخ والتقريع ما لا يخفى ، ثم أمره الله سبحانه أن يجيب عنهم فقال :

{ قل إن افتريته } على سبيل الفرض والتقدير كما تدعون { فلا تملكون لي من الله شيئا } أي فلا تقدرون على أن تردوا عني عقاب الله فكيف أفتري على الله لأجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عقابه عني .

{ هو أعلم بما تفيضون فيه } أي تخوضون فيه من التكذيب ، والإفاضة في الشيء الخوض والاندفاع فيه ، يقال : أفاضوا في الحديث أي اندفعوا فيه ، وأفاض البعير إذا دفع جرته من كرشه ، والمعنى الله أعلم بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب له والقول بأنه سحر وكهانة .

{ كفى به شهيدا بيني وبينكم } فإنه يشهد لي بأن القرآن من عنده ، وأني قد بلغتكم ، ويشهد عليكم بالتكذيب والجحود ، وفي هذا وعيد شديد بجزاء إفاضتهم { وهو الغفور الرحيم } لمن تاب وآمن وصدق بالقرآن ، وعمل بما فيه ، أي كثير الرحمة والمغفرة بليغهما ، وفيه إشعار بحلم الله عنهم ، مع عظيم جرمهم .