السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

وقوله تعالى : { أم يقولون افتراه } إضراب عن ذكر تسميتهم إياه سحراً إلى ذكر ما هو أشنع وإنكار له وتعجب ، ثم بين تعالى بطلان شبهتهم بقوله تعالى : { قل } أي : يا أشرف الخلق { إن افتريته } أي : تعمدت كذبه على زعمكم وأنا إنما أريد به نصيحتكم فالذي أفتريه عليه وأنسبه إليه يعاقبني على ذلك ولا يتركني أصلاً وذلك هو معنى قوله : { فلا تملكون } أي : أيها المنصوحون بوجه من الوجوه ولا في وقت من الأوقات . { لي من الله } أي : المتكبر الحليم { شيئاً } من الأشياء لما يردّ عني انتقامه لأنّ الملك لا يترك من كذب عليه مطلق كذب فكيف من يتعمد الكذب عليه في الرسالة بأمور عظيمة وملازمته مساءً وصباحاً فأيّ حامل لي حينئذ على افترائه ؟ ثم علل ما أفاده الكلام من وجوب الانتقام بقوله : { هو } أي : الله سبحانه { أعلم } أي : منكم ومن كل أحد { بما تفيضون فيه } أي : بما تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه بأنه سحر . { كفى به شهيداً } أي : شاهداً بليغ الشهادة لأنه أعلم بجميع أحوالنا .

{ بيني وبينكم } أي أن القرآن جاء من عنده فيشهد لي بالصدق ولكم بالكذب ، وقد شهد بصدقي بعجزكم عن معارضة شيء من هذا الكتاب الذي أتيت به فثبت بذلك أنه كلامه لأني أقدر على ما تقدرون عليه فرادى ولا مجتمعين ، وأنتم عرب مثلي ، بل وأنا أمّي وفيكم أنتم الكتبة ، والذين خالطوا العلماء ، وسمعوا أحاديث الأمم ، وضربوا بعد بلاد العرب في بلاد العجم ، فظهر بذلك ظهور الشمس أنكم كاذبون { وهو } أي : وحده { الغفور } أي : الذي من شأنه أن يمحو الذنوب أعيانها وآثارها فلا يعاقب عليها ولا يعاتب { الرحيم } أي الذي يكرم بعد المغفرة ويتفضل بالتوفيق لما يرضيه قال الزجاج : هذا دعاء إلى التوبة ومعناه غفور لمن تاب منكم رحيم به .