الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ ٱفۡتَرَيۡتُهُۥ فَلَا تَمۡلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔاۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِۚ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدَۢا بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۖ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} (8)

{ أَمْ يَقُولُونَ افتراه } إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحراً إلى ذكر قولهم : إن محمداً افتراه . ومعنى الهمزة في أم : الإنكار والتعجيب ، كأنه قيل : دع هذا واسمع قولهم المستنكر المفضى منه العجب ، وذلك أن محمداً كان لا يقدر عليه حتى يقوله ويفتريه على الله ، ولو قدر عليه دون أمّة العرب لكانت قدرته عليه معجزة لخرقها العادة ، وإذا كانت معجزة كانت تصديقاً من الله له ، والحكيم لا يصدّق الكاذب فلا يكون مفترياً . والضمير للحق ؛ والمراد به الآيات { قُلْ إِنِ افتريته } على سبيل الفرض عاجلني الله تعالى لا محالة بعقوبة الافتراء عليه . فلا تقدرون على كفه عن معاجلتي ولا تطيقون دفع شيء من عقابه عني ، فكيف أفتريه وأتعرّض لعقابه . يقال : فلان لا يملك إذا غضب ، ولا يملك عنانه إذا صمم ، ومثله : { فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ } [ المائدة : 17 ] ، { وَمَن يُرِدِ الله فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ الله شَيْئاً } [ المائدة : 41 ] ومنه قوله عليه الصلاة السلام : « لا أملك لكم من الله شيئاً » ، ثم قال : { هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ } أي تندفعون فيه من القدح في وحي الله تعالى ، والطعن في آياته ، وتسميته سحراً تارة وفرية أخرى { كفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ } يشهد لي بالصدق والبلاغ ، ويشهد عليكم بالكذب والجحود . ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء إفاضتهم { وَهُوَ الغفور الرحيم } موعدة بالغفران والرحمة إن رجعوا عن الكفر وتابوا وآمنوا ، وإشعار بحلم الله عنهم مع عظم ما ارتكبوا .

فإن قلت : فما معنى إسناد الفعل إليهم في قوله تعالى : { فلا تملكون لي } ؟ قلت : كان فيما أتاهم به النصيحة لهم والأشفاق عليهم من سوء العاقبة وإرادة الخير بهم ، فكأنه قال لهم : إن افتريته وأنا أريد بذلك التنصح لكم وصدكم عن عبادة الآلهة إلى عبادة الله ، فما تغنون عني أيها المنصوحون إن أخذني الله بعقوبة الافتراء عليه .