{ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً } قرأ الحسن ، وأبو بكر عن عاصم : { نصوحاً } بضم النون ، وقرأ العامة بفتحها ، أي : توبة ذات نصح تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب منه . واختلفوا في معناها قال عمر ، وأبي ، ومعاذ ، التوبة النصوح أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع . قال الحسن : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى ، مجمعا على ألا يعود فيه . قال الكلبي : أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن . قال سعيد بن المسيب : توبة تنصحون بها أنفسكم . قال القرظي : يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سيئ الإخوان . { عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه } أي لا يعذبهم الله بدخول النار ، { نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم } على الصراط ، { يقولون } إذا طفئ نور المنافقين ، { ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير . يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير }
ثم يرشد - سبحانه - المؤمنين ، إلى ما يعينهم على الوقاية من النار فيقول : { ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً . . } .
والتوبة : العزم الصادق على عدم العودة إلى المعصية والندم على ما فعله منها فى الماضى ، والنصوح صيغة مبالغة من النصح ، وصفت بها التوبة على سبيل الإسناد المجازى ، والمقصود وصف التائبين بها ، من نصح فلان التوب إذا خاطه ، فكأن التائب يرقع ما مزقه بالمعصية . أو من قولهم : عسل ناصح .
وقد ذكروا فى معنى هذه الجملة أكثر من عشرين وجهاً .
قال القرطبى ما ملخصه : اختلفت عبارة العلماء ، وأرباب القلوب ، فى التوبة النصوح على ثلاثة وعشرين قولا ، فقيل : هى التى لا عودة بعدها ، كما لا يعود اللبن إلى الضرع .
وقال قتادة : النصوح الصادقة الناصحة . . . الخالصة .
وقال القرطبى : التوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء : الاستغفار باللسان ، والإقلاع بالأبدان ، وإضمار ترك العود بالجنان ، ومهاجرة سىء الإخوان .
وقال الفقهاء : التوبة التى لا تعلق لها بحق آدمى لها ثلاثة شروط : احدها أن يقلع عن المعصية ، وثانيها : أن يندم على ما فعله ، وثالثها : أن يعزم على أن لا يعود إليها .
فإذا اجتمعت هذه الشروط فى التوبة كانت نصوحا .
وإن كانت تتعلق بحق آدمى ، فشروطها أربعة ، هذه الثلاثة المتقدمة ، والرابع أن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت المعصية مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه من نفسه ، أو طلب العفو منه ، وإن كانت غيبة استحله منها .
وهى واجبة من كل معصية على الفور ، ولا يجوز تأخريها .
وقوله - سبحانه - { عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } .
والرجاء المستفاد من فعل { عسى } مستعمل هنا فى الوعد الصادق منه - تعالى - على سبيل الكرم والفضل ، فقد قالوا إن كل ترج فى القرآن واقع منه - تعالى - فضلا منه وكرما .
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، توبوا إلى الله - تعالى - " توبة صادقة " بحيث تندمون على ما فرط منكم من ذنوب ، وتعزمون على عدم العودة إليها ، وتستمرون على توبتكم طوال حياتكم . . . فإنكم متى فعلتم ذلك غفر الله - تعالى - لكم ذنوبكم : وكفر عنكم سيئاتكم ، وأدخلكم جنات تجرى من تحت أشجارها وثمارها الأنهار .
قال صاحب الكشاف : قوله : { عسى رَبُّكُمْ } : إطماع من الله لعباده . وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بعسى ولعل . و وقوع ذلك منهم موقع القطع والبت . والثانى : أن يجىء به تعليما للعباد وجوب الترجح بين الخوف والرجاء .
والظرف فى قوله - سبحانه - : { يَوْمَ لاَ يُخْزِى الله النبي والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } منصوب بقوله - تعالى - قبل ذلك : { وَيُدْخِلَكُمْ } ، أو بفعل مضمر تقديره : اذكر .
وقوله : { لاَ يُخْزِى } من الخزى بمعنى الافتضاح : يقال أخزى الله فلانا إذا فضحه ، والمراد به هنا : عذاب النار .
وقوله : { والذين آمَنُواْ مَعَهُ } معطوف على النبى ، وجملة { نُورُهُمْ يسعى } مستأنفة .
أى : يدخلكم الله - بفضله وكرمه - { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } يوم القيامة ، يوم ينجى - سبحانه - النبى - صلى الله عليه وسلم - وينجى الذين آمنوا معه من عذاب النار ، ومن خزى هذا اليوم العصيب .
وهم جميعا وعلى رأسهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نورهم وهم على الصراط ، يسعى ويمتد وينتشر { بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } .
أى أمامهم { وَبِأَيْمَانِهِمْ } أى : وعن أيمانهم .
ويقولون - على سبيل الحمد والشكر لله - تعالى - يا ربنا { أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } بأن تزيده ولا تنقصه حتى ندخل جنتك .
{ واغفر لَنَآ } يا ربنا ذنوبنا { إِنَّكَ } يا ربنا ، { على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
وفى عطف الذين آمنوا على النبى - صلى الله عليه وسلم - إشعار بأن سبب انتفاء خزيهم ، هو إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، وصحبتهم الكريمة للنبى - صلى الله عليه وسلم - .
والضمير فى قوله { نُورُهُمْ } يعود إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - والذين آمنوا معه .
وخص - سبحانه - الأَمامَ واليمين بالذكر ، لفضل هذين المكانين ، إذ النور عندما يكون من الأمام يستمتع الإنسان بمشاهدته ، وعندما يكون من جهة اليمين يزداد تفاؤلا وانشراحا به .
والتخصيص بذلك لا ينفى أن يكون النور محيطا بهم من كل جوانبهم ، وهو نور حقيقى يكرم الله - تعالى - به عباده الصالحين .
وختموا دعاءهم بقولهم - كما حكى القرآن عنهم - : { إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } للإشارة إلى أنهم كانوا على جانب كبير من رجاء تحقيق دعائهم ، لأنهم يسألون ويدعون الله - تعالى - الذى لا يقف أمام قدرته شىء .
ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } أي : توبة صادقة جازمة ، تمحو ما قبلها من السيئات وتلم شعث التائب وتجمعه ، وتكفه عما كان يتعاطاه من الدناءات .
قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد ، حدثنا شعبة ، عن سِمَاك بن حَرب : سمعت النعمان بن بشير يخطب : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا } قال : يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه .
وقال الثوري ، عن سِماك ، عن النعمان ، عن عمر قال : التوبة النصوح : أن يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه ، أو لا يعود فيه .
وقال أبو الأحوص وغيره ، عن سماك ، عن النعمان ، سُئِل عمر عن التوبة النصوح ، فقال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ، ثم لا يعود إليه أبدًا .
وقال الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : { تَوْبَةً نَصُوحًا } قال : يتوب ثم لا يعود .
وقد روي هذا مرفوعًا فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم ، عن إبراهيم الهَجَري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التوبة من الذنب أن يتوب منه ، ثم لا يعود فيه " . تفرد به أحمد من طريق إبراهيم بن مسلم الهَجَري ، وهو ضعيف ، والموقوف أصح{[29071]} والله أعلم .
ولهذا قال العلماء : التوبة النصوح هو أن يُقلعَ عن الذنب في الحاضر ، ويندمَ على ما سلف منه في الماضي ، ويعزِم على ألا يفعل في المستقبل . ثم إن كان الحق لآدمي ردّه إليه بطريقه .
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، أخبرني زياد بن أبي مريم ، عن عبد الله بن مَعقِل قال : دخلت مع أبي عَلى عبد الله بن مسعود فقال : أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الندم توبة ؟ " . قال : نعم . وقال مَرَة : نعم سمعته يقول : " الندم توبة " .
ورواه ابن ماجة ، عن هشام بن عَمَّار ، عن سفيان بن عُيينة ، عن عبد الكريم - وهو ابن مالك الجَزَريّ - به{[29072]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثني الوليد بن بُكَيْر أبو خباب ، عن عبد الله بن محمد العَدَوي ، عن أبي سِنان البصري ، عن أبي قِلابة ، عن زِرّ بن حُبَيش ، عن أبي بن كعب قال : قيل لنا أشياء تكون في آخر هذه الأمة عند اقتراب الساعة ، منها نكاح الرجل امرأته أو أمته في دبرها ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله ، ومنها : نكاح الرجل الرجل ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . ومنها نكاح المرأة المرأة ، وذلك مما حرم الله ورسوله ، ويمقت الله عليه ورسوله . وليس لهؤلاء صلاة ما أقاموا على هذا ، حتى يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا . قال زر : فقلت لأبي بن كعب : فما التوبة النصوح ؟ فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هو الندم على الذنب حينَ يَفرطُ منك ، فتستغفرُ الله بندامتك منه عند الحاضر ، ثم لا تعود إليه أبدًا " {[29073]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا عباد بن عمرو ، حدثنا أبو عمرو بن العلاء ، سمعت الحسن يقول : التوبة النصوح : أن تُبغِض الذنبَ كما أحببته ، وتستغفر منه إذا ذكرته .
فأما إذا حَزَم بالتوبة وصَمم عليها فإنها تَجُب ما قبلها من الخطيئات ، كما ثبت في الصحيح : " الإسلام يَجُبُّ ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها " {[29074]} .
وهل من شرط التوبة النصوح الاستمرارُ على ذلك إلى الممات ، كما تقدم في الحديث وفي الأثر : " لا يعود فيه أبدًا " ، أو يكفي العزم على ألا يعود في تكفير الماضي ، بحيث لو وقع منه ذلك الذنب بعد ذلك لا يكون ذلك ضارًا في تكفير ما تقدم ، لعموم قوله ، عليه السلام : " التوبة تجب ما قبلها ؟ " . وللأول أن يحتج بما ثبت في الصحيح أيضًا : " مَن أحسنَ في الإسلام لم يُؤاخَذ بما عمل في الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " {[29075]} فإذا كان هذا في الإسلام الذي هو أقوى من التوبة ، فالتوبة بطريق الأولى ، والله أعلم . وقوله : { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } و { عَسَى } من الله موجبة ، { يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } أي : ولا يخزيهم معه يعني : يوم القيامة ، { نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } كما تقدم في سورة الحديد .
{ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } قال مجاهد ، والضحاك ، والحسن البصري وغيرهم : هذا يقوله المؤمنون حين يَرَون يوم القيامة نورَ المنافقين قد طفِئ .
وقال محمد بن نصر المروزي : حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، حدثنا ابن المبارك ، أخبرنا ابن لَهِيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظرُ بين يَدَيّ فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن يميني فأعرف أمتي من بين الأمم ، وأنظر عن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم " . فقال رجل : يا رسول الله ، وكيف تعرف أمتك من بين الأمم . قال : " غُرٌّ مُحجلون من آثار الطُّهور{[29076]} ولا يكون أحد من الأمم كذلك غيرهم ، وأعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم " {[29077]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن يحيى بن حسان ، عن رجل من بني كنانة قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح ، فسمعته يقول : " اللهم ، لا تخزني يوم القيامة " {[29078]} .
يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا بالغة في النصح وهو صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة وصفت به على الإسناد المجازي مبالغة أو في النصاحة وهي الخياطة كأنها تنصح ما خرق الذنب وقرأ أبو بكر بضم النون وهو مصدر بمعنى النصح كالشكر والشكور والنصاحة كالثبات والثبوت تقديره ذات نصوح أو تنصح نصوحا أو توبوا نصوحا لأنفسكم وسئل علي رضي الله تعالى عنه عن التوبة فقال يجمعها ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة وللفرائض الإعادة ورد المظالم واستحلال الخصوم وأن تعزم على أن لا تعود وأن تربي نفسك في طاعة الله كما ربيتها في المعصية عسى ركم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ذكر بصيغة الأطماع جريا على عادة الملوك وإشعارا بأنه تفضل والتوبة غير موجبة وأن العبد ينبغي أن يكون بين خوف ورجاء يوم لا يخزي الله النبي ظرف ل يدخلكم والذين آمنوا معه عطف على النبي صلى الله عليه وسلم إحمادا لهم وتعريضا لمن ناوأهم وقيل مبتدأ خبره نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم أي على الصراط يقولون إذا طفئ نور المنافقين ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير وقيل تتفاوت أنوارهم بحسب أعمالهم فيسألون إتمامه تفضلا .
ثم أمر عباده بالتوبة ، والتوبة فرض على كل مسلم ، وتاب معناه : رجع فتوبة العبد : رجوعه من المعصية إلى الطاعة ، وتوبة الله تعالى على العبد إظهار صلاحه ونعمته عليه في الهداية إلى الطاعة ، وقبول توبة الكفار يقطع بها على الله إجماعاً من الأمة ، واختلف الناس في توبة العاصي ، فجمهور أهل السنة على أنه لا يقطع بقبولها ولا ذلك على الله بواجب ، والدليل على ذلك دعاء كل واحد من المذنبين في قبول التوبة ولو كانت مقطوعاً بها لما كان معنى للدعاء في قبولها ، وظواهر القرآن في ذلك هي كلها بمعنى المشيئة ، وروي عن أبي الحسن الأشعري أنه قال : التوبة إذا توفرت شروطها قطع على الله بقبولها لأنه تعالى أخبر بذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا المسك بظواهر القرآن ، وعلى هذا القول أطبقت المعتزلة ، والتوبة الندم على فارط المعصية والعزم على ترك مثلها في المستقبل ، وهذا من المتمكن ، وأما غير المتمكن كالمجبوب في الزنا فالندم وحده يكفيه ، والتوبة عبادة كالصلاة ونحوها ، فإذا تاب العبد وحصلت توبته بشروطها وقبلت ثم عاود الذنب ، فتوبته الأولى لا تفسدها عودة بل هي كسائر ما تحصل من العبادات ، والنصوح بناء مبالغة من النصح إلى توبة نصحت صاحبها وأرشدته ، وقرأ الجمهور : «نَصوحاً » بفتح النون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع والحسن والأعرج وعيسى : «نُصوحاً » بضم النون ، وهو مصدر ، يقال : نصح ، ينصح ، نصاحة ، ونصاحة قاله الزجاج ، فوصف التوبة بالمصدر كالعدل والزور وغيره ، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : التوبة النصوح ، هي أن يتوب ثم لا يعود ، وقال أبو بكر الوراق : هي أن تضيق عليك الأرض بما رحبت كتوبة الذين خلفوا ، وقوله تعالى : { عسى ربكم } الآية ، ترجية ، وقد روي أن { عسى } من الله و اجبة ، والعامل في { يوم } قوله : { يدخلكم } ، وروي في معنى قوله تعالى : { يوم لا يخزي الله النبي } ، أن محمداً صلى الله عليه وسلم تضرع في أمر أمته فأوحى الله إليه : إن شئت جعلت حسابهم إليك ، فقال :
«يا رب أنت أرحم بهم » فقال الله تعالى : إذا لا أخزيك فيهم ، فهذا معنى قوله : { يوم لا يخزي الله النبي } ، والخزي المكروه الذي يترك الإنسان حيران خجلاً مهموماً بأن يرى نقصه ، أو سوء منزلته ، وقوله تعالى : { والذين آمنوا معه } يحتمل أن يكون معطوفاً على { النبي } فيخرج المؤمنون من الخزي ، ويحتمل أن يكون ابتداء ، و { نورهم يسعى } جملة هي خبره ، ويبقى النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصاً مفضلاً بأنه لا يخزى ، وقد تقدم القول في نظير قوله : { يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } [ التحريم : 8 ] ، وقرأ سهل بن سعد : «وبإيمانهم » ، بكسر الهمزة ، وقوله تعالى : { ربنا أتمم لنا نورنا } ، قال الحسن بن أبي الحسن هو عندما يرون من انطفاء نور المنافقين حسبما تقدم تفسيره ، وقيل يقول من أعطي من النور بقدر ما يرى قدميه فقط .