بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

ثم أمر المؤمنين بالتوبة عن الذنوب . فقال : { يا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ تُوبُواْ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً } يعني : صادقاً في توبته ، ويقال : تنصحون لله فيها من غير مداهنة .

وروى سماك بن حرب ، عن النعمان بن بشير قال : سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن التوبة النصوح ، فقال : هو الرجل يتوب من عمل السوء ، ثم لا يعود إليه أبداً .

وروي ، عن ابن عباس أنه قال : توبة النصوح : الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإضمار أن لا يعود إليها . قرأ نافع ، وعاصم في إحدى الروايتين { تَوْبَةً نَّصُوحاً } بضم النون ، والباقون بالنصب . فمن قرأ بالنصب ، فهو صفة التوبة يعني : توبة بالغة في النصح ، كما يقال : رجل صبور وشكور . ومن قرأ بالضم ، يعني : ينصحوا بها نصوحاً ، كما يقال : نصحت له نصحاً ونصوحاً .

ثم قال : { عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سيئاتكم } يعني : يغفر لكم ما مضى من ذنوبكم إن تبتم . { وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار يَوْمَ لاَ يُخْزِي الله النبي } صار اليوم نصاً لنزع الخافض { يعني } . يكفر عنكم في يوم لا يخزي الله النبي . قال الكلبي : يعني : لا يعذب الله النبي ، ويقال : يوم لا يخزيه فيما أراد من الشفاعة . وغيره ، وتم الكلام .

ثم قال : { والذين آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني : على الصراط . وروى الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ نُورُهُ أَبْعَدُ ما بَيْنَنَا وَبَيْنَ عَدنِ أبْيَنَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نُوُرُه لَا يُجَاوِزُ قَدَمَيْهِ » فقال : { نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } يعني : يضيء بين أيديهم . { وبأيمانهم } يعني : عن أيمانهم وعن شمائلهم على وجه الإضمار . { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } ، ذلك حين طفئت أنوار المنافقين ، أشفق المؤمنون على نورهم ، ويتفكرون فيما مضى منهم من العذاب ، فيقولون : { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } يعني : احفظ علينا نورنا ، { واغفر لَنَا } ما مضى من ذنوبنا { إِنَّكَ على كُلّ شَيء قَدِيرٌ } من إتمام النور والمغفرة .