فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

{ يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ( 8 ) }

يا أهل التصديق واليقين بالله ووحيه ارجعوا إلى طريق ربكم إن مالت بكم عنه خطيئة أو سيئة ولتكن رجعتكم مصحوبة بالندم على ما فرط منكم وبالعزم على عدم التفريط في عهد الله وميثاقه ، فإن لمن تاب منكم أن يستر الله ذنوبه فلا يفضحه بها ولا يؤاخذه عليها ويسكنه دار النعيم في جنات نضرات موفورات الماء { . . فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات . . }{[7269]} ويوم يؤذن بكم إلى هذا النعيم المقيم ستشهدون المزيد من التكريم فتسيرون في آثار موكب النبي العظيم ، والنور يضيء بين أيديكم ويشع من أكفكم ، وتضرعون إلى ربكم أن يتم نوركم ، ويصفح ويستر مخالفاتكم ، فإن قدرته لا يعجزها شيء .

[ . . وقال الكلبي : التوبة النصوح : الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان والإقلاع عن الذنب ، والاطمئنان على أنه لا يعود . . . وقال أبو بكر الدقاق المصري : التوبة النصوح هي : رد المظالم ، واستحلال الخصوم ، وإدمان الطاعات . . . قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لا يخلو ، إما أن يكون حقا لله أو للآدميين ؛ فإن كان حقا لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاء ما فات منها ، وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطا في الزكاة ؛ وإن كان ذلك قتل نفس بغير حق فأن يمكن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوبا به ، وإن كان قذفا يوجب الحد فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوبا به ، فإن عفى عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص ؛ وكذلك إن عفى عنه في القتل بمال فعليه أن يؤديه إن كان واجدا له ، قال تعالى : { . . فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان . . . }{[7270]} . وإن كان ذلك حدا من حدود الله – كائنا ما كان- فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه . . . فإن كان الذنب من مظالم العباد فلا تصح التوبة منه إلا برده إلى صاحبه والخروج عنه- عينا كان أو غيره إن كان قادرا عليه ، فإن لم يكن قادرا عليه فالعزم أن يؤديه إذا قدر في أعجل وقت وأسرعه ، وإن كان أضر بواحد من المسلمين وذلك الواحد لا يشعر به أو لا يدري من أين أتي فإنه يزيل ذلك الضرر عنه ثم يسأله أن يعفو عنه ويستغفر له ، فإذا عفا عنه فقد سقط الذنب . . . ]{[7271]} .


[7269]:- سورة محمد. من الآية 15.
[7270]:- سورة البقرة. من الآية 178.
[7271]:- ما بين العارضتين مما أورده القرطبي جـ 18 ص 198 وما بعدها.