معاني القرآن للفراء - الفراء  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

وقوله : { تَوْبَةً نَّصُوحا } .

قرأها بفتح النون أهلُ المدينة والأعمش ، وذكر عن عاصم والحسن «نُصُوحا » ، بضم النون ، وكأن الذين قالوا : «نُصوحا » أرادوا المصدر مثل : قُعودا ، والذين قالوا : «نَصوحا » جعلوه من صفة التوبة ، ومعناها : يحدّث نفسه إذا تاب من ذلك الذنب ألاّ يعود إليه أبداً .

وقوله : { يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا } .

لا يقوله كل من دخل الجنة ، إنما يقوله أدناهم منزلة ؛ وذلك : أن السابقين فيما ذكر يمرون كالبرق على الصراط ، وبعضهم كالريح ، وبعضهم كالفرس الجواد ، وبعضهم حَبْوًا وَزحفاً ، فأولئك الذين يقولون : { رَبَّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا } حتّى ننجو .

ولو قرأ قارئ : «ويدخلْكم » جزماً لكان وجهاً ؛ لأن الجواب في عسى فيضمر في عسى الفاء ، وينوي بالدخول أن يكون معطوفاً على موقع الفاء ، ولم يقرأ به أحدٌ ،

ومثله : { فَأَصَّدَقَ وأكُنْ مِنَ الصَّالِحِين } .

ومثله قول الشاعر :

فأبلوني بليتكُم لعلى *** أصالحكم ، واستدرجْ نَويَّا

فجزم لأنه نوى الرد على لعلى .