فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَةٗ نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمۡ سَيِّـَٔاتِكُمۡ وَيُدۡخِلَكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يَوۡمَ لَا يُخۡزِي ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥۖ نُورُهُمۡ يَسۡعَىٰ بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتۡمِمۡ لَنَا نُورَنَا وَٱغۡفِرۡ لَنَآۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (8)

{ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ تُوبُواْ إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً } أي تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه ، وصفت بذلك على الإسناد المجازي ، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب وترك المعاودة له .

والتوبة فرض على الأعيان . قال قتادة : التوبة النصوح الصادقة ، وقيل : الخالصة . وقال الحسن : التوبة النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره . وقال الكلبي : التوبة النصوح : الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع بالبدن ، والاطمئنان على أن لا يعود . وقال سعيد بن جبير : هي التوبة المقبولة . قرأ الجمهور { نصوحاً } بفتح النون على الوصف للتوبة : أي توبة بالغة في النصح ، وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بضمها : أي توبة نصح لأنفسكم ، ويجوز أن يكون جمع ناصح ، وأن يكون مصدراً يقال : نصح نصاحة ونصوحاً . قال المبرّد : أراد توبة ذات نصح { عسى رَبُّكُمْ أَن يُكَفّرَ عَنكُمْ سيئاتكم وَيُدْخِلَكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } بسبب تلك التوبة ، وعسى وإن كان أصلها للإطماع فهي من الله واجبة ، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ويدخلكم معطوف على يكفر منصوب بناصبه وبالنصب قرأ الجمهور ، وقرئ بالجزم عطفاً على محل «عسى » كأنه قال : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم { يَوْمٌ لاَّ يُخْزِي الله النبي } الظرف متعلق ب { يدخلكم } : أي يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي { والذين آمَنُواْ مَعَهُ } والموصول معطوف على النبي ، وقيل : الموصول مبتدأ وخبره : { نُورُهُمْ يسعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم } والأوّل أولى ، وتكون جملة { نُورُهُمْ يسعى } في محل نصب على الحال ، أو مستأنفة لبيان حالهم ، وقد تقدّم في سورة الحديد أن النور يكون معهم حال مشيهم على الصراط ، وجملة { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا واغفر لَنَا إِنَّكَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } في محل نصب على الحال أيضاً ، وعلى الوجه الآخر تكون خبراً أخر ، وهذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين ، كما تقدّم بيانه وتفصيله .

/خ8