قوله عز وجل :{ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم } قال عطاء عن ابن عباس : أي بالانتهاء عما نهاكم الله تعالى عنه والعمل بطاعته ، { وأهليكم ناراً } يعني : مروهم بالخير وانهوهم عن الشر ، وعلموهم وأدبوهم ، تقوهم بذلك ناراً ، { وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة } يعني خزنة النار ، { غلاظ } ، فظاظ على أهل النار ، { شداد } أقوياء يدفع الواحد سبعين ألفاً في النار ، وهم الزبانية ، لم يخلق الله فيهم الرحمة . { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون }
ثم وجه - سبحانه - بعد ذلك نداءين إلى المؤمنين ، أمرهم فى أولهما أن يؤدوا واجبهم نحو أنفسهم ونحو أهليهم ، حتى ينجو من عذاب النار ، وأمرهم فى ثانيهما بالمداومة على التوبة الصادقة النصوح ، ووجه نداء إلى الكافرين بين لهم فيه سوء عاقبة كفرهم ، ثم وجه - سبحانه - نداء إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - أمره فيه بأن يجاهد الكفار والمنافقين جهاداً مصحوبا بالغلظة والخشونة . . . فقال - تعالى - : { ياأيها الذين آمَنُواْ . . . } .
قوله - تعالى - : { قوا } أمر من الوقاية ، يقال : وقى يَقِى ، كضرب يضرب .
والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإيمان ، أبعدوا أنفسكم عن النار عن طريق فعل الحسنات . واجتناب السيئات ، وأبعدوا أهليكم - أيضا - عنها ، عن طريق نصحهم وإرشادهم وأمرهم بالمعروف . ونهيهم عن المنكر .
قال القرطبى ، قال قتادة ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم .
ففى الحديث الصحيح أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالإمام الذى على الناس راع وهو مسئول عنهم ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم " .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " ما نحل والد ولدا ، أفضل من أدب حسن " .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " مروا أبناءكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم فى المضاجع " .
وقد روى مسلم فى صحيحه " أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوتر يقول : قومى فأوترى يا عائشة " .
وذكر القشيرى " أن عمر - رضى الله عنه - لما نزلت هذه الآية قال يا رسول الله : نقى أنفسنا فكيف بأهلينا ؟
فقال : " تنهونهم عما نهاكم الله عنه ، وتأمرونهم بما أمركم الله به " " .
وجاء لفظ النار منكراً ، للتهويل . أى : نارا عظيمة لا يعلم مقدار حرها إلا الله - تعالى - .
وقوله : { وَقُودُهَا الناس والحجارة } أى : هذه النار لا توقد كما يوقد غيرها بالحطب وما يشبهها ، وإنما مادة اشتعالها تتكون من الناس الذين كانوا فى الدنيا يشركون مع الله - تعالى - آلهة أخرى فى العبادة ، ومن الحجارة التى كانت تعبد من دونه - تعالى - .
ثم أضاف - سبحانه - إلى تهويلها أمرا آخر وصفة أخرى فقال : { عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .
والغلاظ : جمع غليظ وهو المتصف بالضخامة والغلظة التى هى ضد الرقة .
وهذا اللفظ صفة مشبهة ، وفعله غلظ ككرم .
وشداد : جمع شديد ، وهو المتصف بالقوة والشدة ، يقال : فلان شديد على فلان ، أى : قوى عليه ، بحيث يستطيع أن ينزل به ما يريد من الأذى والعقاب .
أى : هذه النار من صفاتها - أيضا - أن الموكلين بإلقاء الكافر والفساق فيها ، ملائكة قساة فى أخذهم أهل النار ، أقوياء عليهم ، بحيث لا يستطيع أهل النار أن يفلتوا منهم ، أو أن يعصوا لهم أمرا .
وهؤلاء الملائكة من صفاتهم كذلك أنهم لا يعصون لله - تعالى - أمرا . وإنما ينفذون ما يكلفهم - سبحانه - به تنفيذا تاما .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت أليس الجملتان - لا يعصون .
قلت : لا فإن معنى الأولى أنهم يتقلبون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها ، ومعنى الثانية : أنهم يؤدون ما يؤمرون به ، ولا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه .
قال سفيان الثوري ، عن منصور ، عن رجل ، عن علي ، رضي الله عنه ، في قوله تعالى : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } يقول : أدبوهم ، عَلموهم .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } يقول : اعملوا بطاعة الله ، واتقوا معاصي الله ، ومُروا أهليكم بالذكر ، ينجيكم الله من النار .
وقال مجاهد : { قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } قال : اتقوا الله ، وأوصوا أهليكم بتقوى الله . .
وقال قتادة : يأمرهم بطاعة الله ، وينهاهم عن معصية الله ، وأن يقومَ عليهم بأمر الله ، ويأمرهم به ويساعدهم عليه ، فإذا رأيت لله معصية ، قَدعتهم عنها وزجرتهم عنها .
وهكذا قال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله ، من قرابته وإمائه وعبيده ، ما فرض الله عليهم ، وما نهاهم الله عنه .
وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، من حديث عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَة ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها " {[29068]} .
هذا لفظ أبي داود ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن .
وروى أبو داود ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك{[29069]} .
قال الفقهاء : وهكذا في الصوم ؛ ليكون ذلك تمرينًا له على العبادة ، لكي يبلغ وهو مستمر على العبادة والطاعة ومجانبة المعصية وترك المنكر ، والله الموفق .
وقوله : { وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } { وَقُودُهَا } أي : حطبها الذي يلقى فيها جُثث بني آدم . { وَالْحِجَارَةُ } قيل : المراد بذلك الأصنام التي كانت تعبد لقوله : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] .
وقال ابن مسعود ومجاهد وأبو جعفر الباقر ، والسدي : هي حجارة من كبريت - زاد مجاهد : أنتن من الجيفة .
وروى ذلك ابن أبي حاتم ، رحمه الله ، ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن سنان المنقري ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن أبي رَاَّود - قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } وعنده بعض أصحابه ، وفيهم شيخ ، فقال الشيخ : يا رسول الله ، حجارة جهنم كحجارة الدنيا ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ، لَصَخرة من صخر جهنم أعظمُ من جبَال الدنيا كلها " . قال : فوقع الشيخُ مغشيًا عليه ، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هُوَ حَيّ فناداه قال : " يا شيخ " ، قل : " لا إله إلا الله " . فقالها ، فبشره بالجنة ، قال : فقال أصحابه : يا رسول الله ، أمن بيننا ؟ قال : " نعم ، يقول الله تعالى : { ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [ إبراهيم : 14 ] هذا حديث مرسل غريب .
وقوله : { عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ } أي : طباعهم غليظة ، قد نزعت من قلوبهم الرحمة بالكافرين بالله ، { شِدَادٌ } أي : تركيبهم في غاية الشدة والكثافة والمنظر المزعج .
قال{[29070]} ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان ، حدثنا أبي ، عن عكرمة أنه قال : إذا وصل أول أهل النار إلى النار ، وَجَدوا على الباب أربعمائة ألف من خَزَنة جهنم ، سود وجوههم ، كالحة أنيابهم ، قد نزع الله من قلوبهم الرحمة ، ليس في قلب واحد منهم مثقال ذَرَة من الرحمة ، لو طير الطير من منكب أحدهم لطار شهرين قبل أن يبلغ منكبه الآخر ، ثم يجدون على الباب التسعة عشر ، عرض صدر أحدهم سبعون خريفًا ، ثم يهوون من باب إلى باب خمسمائة سنة ، ثم يجدون على كل باب منها مثلَ ما وجدوا على الباب الأول ، حتى ينتهوا إلى آخرها .
وقوله : { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } أي : مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه ، لا يتأخرون عنه طرفة عين ، وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه . وهؤلاء هم الزبانية عياذًا بالله منهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله" قُوا أنْفُسَكُمْ "يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله. وقوله: "وأهْلِيكُمْ نارا" يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار.
وقوله: "وَقُودَها النّاسُ" يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت.
وقوله: "عَلَيْها مَلائِكَةُ غِلاظٌ شِدَادٌ" يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة الله، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم "لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أمَرَهُمْ" يقول: لا يخالفون الله في أمره الذي يأمرهم به "وَيَفْعَلُونَ ما يُؤمَرُونَ" يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا} يحتمل أن يكون معناه: قوا أنفسكم في ما تدعو أنفسكم إليه، لأن الأنفس تأمرهم بالسوء، وتدعوهم إليه... وجائز أن يكون قوله تعالى: {قوا أنفسكم وأهليكم} أي قوها عن الطريق الذي إذا سلكتموه أفضى بكم إلى النار، وقوا أهليكم أيضا عن ذلك الطريق، وذلك يكون بالعمل لأن العمل على ضربين: عمل يفضي بصاحبه إلى الجنة، وعمل يفضي به إلى النار، فيكون التقوى في هذا الوجه راجعا إلى الأعمال، وفي الوجه الأول إلى الأنفس. ويحتمل {قوا أنفسكم} باكتساب الأسباب التي هي أسباب النجاة من العطب والهلاك {وأهليكم} في أن تعلّموهم الأسباب التي هي أسباب الخلاص من النار...
{نارا وقودها الناس والحجارة} فهذا على المبالغة في وصف شدة النار. وأخبر أن شدتها، تنتهي إلى هذا؛ في أن صيّر الناس وقودا، وكذلك الحجارة... {عليها ملائكة غلاظ شداد} جائز أن يكون هذا وصفهم أنهم خلقوا غلاظا شدادا، وجائز أن يكونوا أشداء على الكفار وأعداء الله...
وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يُسْتَغْنَى عنه من الآداب، وهو مثل قوله تعالى: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} [طه: 132]، ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]...
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
وفي الوصية التي تقيهم النار ثلاثة أقاويل:
أحدها: يأمرهم بطاعة اللَّه وينهاهم عن معصيته...
الثاني: يعلمهم فروضهم ويؤدبهم في دنياهم...
الثالث: يعلمهم الخير ويأمرهم به، ويبين لهم الشر، وينهاهم عنه...
حق ذلك عليه في نفسه وولده وعبيده وإمائه...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي: فَقَّهوهم، وأَدِّبوهم، وادعوهم إلى طاعة الله، وامنعوهم عن استحقاق العقوبة بإرشادهم وتعليمهم. ودلَّت الآيةُ: على وجوبِ الأمرِ بالمعروف في الدَّين للأقرب فالأقرب...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{قُواْ أَنفُسَكُمْ} بترك المعاصي وفعل الطاعات {وَأَهْلِيكُمْ} بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم...
{نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} نوعاً من النار لا يتقد إلا بالناس والحجارة، كما يتقد غيرها من النيران بالحطب...
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
لما وعظ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم موعظة خاصة، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، وعطف {وأهليكم} على {أنفسكم}، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{يا أيها} مخاطبة لأدنى الأسنان إشارة إلى أن من فوقهم تأسى من حين دخوله في الإسلام فهو غني عن أمر جديد {الذين آمنوا} أي أقروا بذلك {قوا أنفسكم} أي اجعلوا لها وقاية بالتأسي به صلى الله عليه وسلم في أدبه مع الخلق والخالق في لينه لمن يستحق اللين من الخلق تعظيماً للخالق فعاملوه قبل كل شيء بما يعاملكم به من الأدب، وكذا كونوا مع بقية الخلق. ولما كان الإنسان راعياً لأهل بيته مسؤولاً عن رعيته قال تعالى: {وأهليكم} من النساء والأولاد وكل من يدخل في هذا الاسم قوهم {ناراً} بالنصح والتأديب ليكونوا متخلقين بأخلاق أهل النبي صلى الله عليه وسلم... {وقودها} أي الذي توقد به {الناس والحجارة} أي ألين الأشياء وأصلبها...
{عليها ملائكة} أي يكون أمرها على سبيل الاستعلاء فلا تعصيهم شيئاً لتأديب الله لها {غلاظ} أي في الأبدان والقلوب فظاظة على أهلها لاستحقاقهم لذلك بعصيانهم الملك...
{شداد} أي في كل شيء يحاولونه بالقول والفعل... {لا يعصون الله} أي الملك الأعلى في وقت من الأوقات {ما أمرهم} أي أوقع الأمر لهم به في زمن ما...
{ويفعلون} أي مجددين مع كل أمر على سبيل الاستمرار {ما يؤمرون} أي ما يقع لهم الأمر به في أي وقت كان من غير نقص ما، وبني الفعل لما لم يسم فاعله كناية عن سهولة انقيادهم وإشارة إلى أن الذي أمرهم معلوم أنه الله سبحانه وتعالى...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
أي: يا من منّ الله عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه. ف {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها أمر الله، والقيام بأمره امتثالًا، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يهيب القرآن بالذين آمنوا ليؤدوا واجبهم في بيوتهم من التربية والتوجيه والتذكير في أن يقوا أ نفسهم وأهليهم من النار... (وقودها الناس والحجارة).. الناس فيها كالحجارة سواء. في مهانة الحجارة وفي رخص الحجارة...
(عليها ملائكة غلاظ شداد). تتناسب طبيعتهم مع طبيعة العذاب الذي هم به موكلون.. (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).. فمن خصائصهم طاعة الله فيما يأمرهم، ومن خصائصهم كذلك القدرة على النهوض بما يأمرهم.. وهم بغلظتهم هذه وشدتهم موكلون بهذه النار الشديدة الغليظة...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وعبر عن الموعظة والتحذير بالوقاية من النار على سبيل المجاز لأن الموعظة سبب في تجنب ما يفضي إلى عذاب النار أو على سبيل الاستعارة بتشبيه الموعظة بالوقاية من النار على وجه المبالغة في الموعظة. وتنكير « نار» للتعظيم وأجرى عليها وصف بجملة {وقودها الناس والحجارة} زيادة في التحذير لئلا يكونوا من وقود النار...
. وتفظيعاً للنار إذ يكون الحجر عِوضاً لها عن الحَطب...
وجملة {لا يعصون الله ما أمرهم} ثناء عليهم أعقب به وصفهم بأنهم غلاظ شداد تعديلاً لما تقتضيانه من كراهية نفوس الناس إياهم، وهذا مؤذن بأنهم مأمورون بالغلظة والشدة في تعذيب أهل النار. وأما قوله: {ويفعلون ما يؤمرون} فهو تصريح بمفهوم {لا يعصون الله ما أمرهم} دعا إليه مقام الإِطناب في الثناء عليهم، مع ما في هذا التصريح من استحضار الصورة البديعة في امتثالهم لما يؤمرون به...