قوله تعالى : { وإن من شيء } ، أي : وما من شيء ، { إلا عندنا خزائنه } ، أي مفاتيح خزائنه . وقيل : أرد به المطر . { وما ننزله إلا بقدر معلوم } ، لكل أرض حد مقدر ، ويقال : لا تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله عز وجل ويشاء . وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده قال : في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر والبحر ، وهو تأويل قوله تعالى : { وإن من شيء إلا عندنا خزائنه } .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن كل شيء في هذا الكون ، خاضع لإرادته وقدرته ، وتصرفه . . فقال - تعالى - { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } .
و " إن " نافية بمعنى ما ، و " من " مزيدة للتأكيد . و { خزائنه } جمع خزانة ، وهى في الأصل تطلق على المكان الذي توضع فيه نفائس الأموال للمحافظة عليها .
والمعنى : وما من شيء من الأشياء الموجودة في هذا الكون ، والتى يتطلع الناس إلى الانتفاع بها . إلا ونحن قادرون على إيجادها وإيجاد أضعافها بلا تكلف أو إبطاء ، كما قال - تعالى - : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فقد شبه - سبحانه - اقتداره على إيجاد كل شئ ، بالخزائن المودعة فيها الأشياء ، والمعدة لإِخراج ما يشاء إخراجه منها بدون كلفة أو إبطاء .
والمراد بالإِنزال في قوله { وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } . الإِيجاد والإِخراج إلى هذه الدنيا ، مع تمكين الناس من الحصول عليه .
أى : وما نخرج هذا الشىء إلى حيز الوجود بحيث يتمكن الناس من الانتفاع به إلا ملتبسًا بمقدار معين ، وفى وقت محدد ، تقتضيه حكمتنا ، وتستدعيه مشيئتنا ، ويتناسب مع حاجات العباد وأحوالهم ، كما قال - تعالى - { وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ }
[ وقوله ]{[16112]} { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }
يخبر ، تعالى ، أنه مالك كل شيء ، وأن كل شيء سهل عليه ، يسير لديه ، وأن{[16113]} عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف ، { وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } كما يشاء وكما يريد ، ولما لَهُ في ذلك من الحكمة البالغة ، والرحمة بعباده ، لا على [ وجه ]{[16114]} الوجوب ، بل هو كتب على نفسه الرحمة .
قال يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه حيث شاء{[16115]} عامًا هاهنا ، وعامًا هاهنا . ثم قرأ : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } رواه ابن جرير{[16116]}
وقال أيضا : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسن{[16117]} حدثنا هُشَيْم ، أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الحكم بن عُتَيْبَة{[16118]} في قوله : { وَمَا نُنزلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } قال : ما{[16119]} عام بأكثر مطرًا من عام ولا أقل ، ولكنه يُمطر قوم ويحرم آخرون وربما{[16120]} كان في البحر . قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم ، يُحصُون كل قطرة حيث تقع وما تنبت{[16121]} {[16122]}
وقال البزار : حدثنا داود - وهو ابن بكر{[16123]} التُّسْتُري - حدثنا حبَّان{[16124]} بن أغلب بن تميم ، حدثني أبي ، عن هشام ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خزائن الله الكلام ، فإذا أراد شيئا قال له : كن ، فكان " {[16125]}
ثم قال : لا يرويه إلا أغلب ، ولم يكن بالقوي ، وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين ، ولم يروه عنه إلا ابنه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.