معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

قوله تعالى : { فاصدع بما تؤمر } ، قال ابن عباس : أظهره . ويروى عنه : أمضه . وقال الضحاك : أعلم . وقال الأخفش : افرق ، أي : افرق بالقرآن بين الحق والباطل . وقال سيبويه : اقض بما تؤمر ، وأصل الصدع : الفصل ، والفرق : أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة . وروي عن عبد الله بن عبيده قال كان مستخفيا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه . { وأعرض عن المشركين } ، نسختها آية القتال .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

ثم أمر - سبحانه - رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يمضى في طريقه ، وأن يجهر بدعوته وأن يعرض عن المشركين ، فقد كفاه - سبحانه - شرهم فقال - تعالى - : { فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين إِنَّا كَفَيْنَاكَ المستهزئين الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .

وقوله { فاصدع . . } من الصدع بمعنى الإِظهار والإعلان . ومنه قولهم : انصدع الصبح ، إذا ظهر بعد ظلام الليل والصديع الفجر لانصداعه أى ظهوره . ويقال : صدع فلان بحجته ، إذا تكلم بها جهارًا .

أى : فاجهر - أيها الرسول الكريم - بدعوتك ، وبلغ ما أمرناك بتبليغه علانية ، وأعرض عن سفاهات المشركين وسوء أدبهم .

قال عبد الله بن مسعود : ما زال النبى صلى الله عليه وسلم مستخفيا بدعوته حتى نزلت هذه الآية . فخرج هو وأصحابه ،

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

85

وحين يصل السياق إلى هذا الحد ، يتجه بالخطاب إلى الرسول [ ص ] أن يمضي في طريقه . يجهر بما أمره الله أن يبلغه . ويسمى هذا الجهر صدعا - أي شقا - دلالة على القوة والنفاذ . لا يقعده عن الجهر والمضي شرك مشرك فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم . ولا استهزاء مستهزيء فقد كفاه الله شر المستهزئين :

( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ؛ إنا كفيناك المستهزئين ، الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

يقول تعالى آمرًا رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه{[16290]} والصَّدع به ، وهو مواجهة المشركين به ، كما قال ابن عباس : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } أي : أمضه . وفي رواية : افعل ما تؤمر .

وقال مجاهد : هو الجهر بالقرآن في الصلاة .

وقال أبو عبيدة ، عن{[16291]} عبد الله بن مسعود : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا ، حتى نزلت : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ } فخرج هو وأصحابه{[16292]}

وقوله : { وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } أي : بلغ ما أنزل إليك من ربك ، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله . { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ولا تخفْهم ؛ فإن الله كافيك إياهم ، وحافظك منهم ، كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } [ المائدة : 67 ]

/خ94

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن رجل ، عن ابن عباس قال : كان رأسُهم الوليد بن المغيرة ، وهو الذي جمعهم .

وهكذا روي عن سعيد بن جبير وعكرمة ، نحو سياق محمد بن إسحاق ، عن يزيد ، عن عروة ، بطوله ، إلا أن سعيدًا يقول : الحارث بن غيطلة . وعكرمة يقول : الحارث بن قيس .

قال الزهري : وصدقا ، هو الحارث بن قيس ، وأمه غيطلة .

وكذا روي عن مجاهد ، ومقسم ، وقتادة ، وغير واحد ، أنهم كانوا خمسة .

وقال الشعبي : كانوا سبعة .

والمشهور الأول .


[16290]:في أ: "وإنفاذه".
[16291]:في ت، أ: "ابن".
[16292]:رواه الطبري في تفسيره (14/47).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

ويعني بقوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ : فأمض وافرُق ، كما قال أبو ذُؤَيب :

وكأنّهُنّ رِبابَةٌ وكأنّهُ *** يَسَرٌ يُفيضُ على القِداح ويَصْدَعُ

يعني بقوله : «يَصْدَع » يُفَرّق بالقداح .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ يقول : فامْضِهْ .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ يقول : افعل ما تؤمر .

حدثني الحسين بن يزيد الطحان ، قال : حدثنا ابن إدريس ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : بالقرآن .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ ، قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : هو القرآن .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : بالقرآن .

حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا ابن فضيل ، عن ليث ، عن مجاهد ، في قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : الجهر بالقرآن في الصلاة .

حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا شريك ، عن ليث ، عن مجاهد : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : بالقرآن في الصلاة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : اجهر بالقرآن في الصلاة .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا أبو أسامة ، قال : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال : ما زال النبيّ صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزلت : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ فخرج هو وأصحابه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ قال : بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه .

وقال تعالى ذكره : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ولم يقل : بما تؤمر به ، والأمر يقتضي الباء لأن معنى الكلام : فاصدع بأمرنا ، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خَلقي وأذنّا لك في إظهاره .

ومعنى «ما » التي في قوله بِمَا تُؤْمَرُ معنى المصدر ، كما قال تعالى ذكره يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ معناه : افعل الأمر الذي تؤمر به . وكان بعض نحويّي أهل الكوفة يقول في ذلك : حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ على لغة الذين يقولون : أمرتك أمرا . وكان يقول : للعرب في ذلك لغتان : إحداهما أمرتك أمرا ، والأخرى أمرتك بأمر ، فكان يقول : إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء . واستشهد لقولك ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلّب :

أمَرْتُكَ أمْرا جازِما فَعَصَيْتَنِي *** فأصْبَحْتَ مَسلُوبَ الإمارَةِ نادِما

فقال : أمرتك أمرا ، ولم يقل : أمرتك بأمر ، وذلك كما قال تعالى ذكره : ألا إنّ عادا كَفَرُوا رَبّهُمْ .

ولم يقل : بربهم ، وكما قالوا : مددت الزمام ، ومددت بالزمام ، وما أشبه ذلك من الكلام .

وأما قوله : وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ويقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : بلغ قومك ما أرسلتَ به ، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم . وذلك قيل أن يفرض عليه جهادهم ، ثم نَسَخَ ذلك بقوله : فَاقْتُلُو المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ، كما :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ وهو من المنسوخ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : اخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وأعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ قُلْ للّذِينَ آمَنُوا يَغْفروا للّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللّهِ وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه ، ثم أمره بالقتال ، فنَسَخَ ذلك كله ، فقال : خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ . . . الاَية .