قوله تعالى : " فاصدع بما تؤمر " أي بالذي تؤمر به ، أي بلغ رسالة الله جميع الخلق لتقوم الحجة عليهم ، فقد أمرك الله بذلك . والصدع : الشق . وتصدع القوم أي تفرقوا ، ومنه " يومئذ يصدعون{[9766]} " [ الروم : 43 ] أي يتفرقون . وصدعته فانصدع أي انشق . أصل الصدع الفرق والشق . قال أبو ذؤيب يصف الحمار وأتنه :
وكأنهنّ رِبابة وكأنه يَسَرٌ *** يفيض على القداح ويصدع{[9767]}
أي يفرق ويشق . فقوله : " اصدع بما تؤمر " قال الفراء : أراد فاصدع بالأمر ، أي أظهر دينك ، ف " ما " مع الفعل على هذا بمنزلة المصدر . وقال ابن الأعرابي : معنى اصدع بما تؤمر ، أي اقصد . وقيل : " فاصدع بما تؤمر " أي فرق جمعهم وكلمتهم بأن تدعوهم إلى التوحيد فإنهم يتفرقون بأن يجيب البعض ، فيرجع الصدع على هذا إلى صدع جماعة الكفار .
قوله تعالى : " وأعرض عن المشركين " أي عن الاهتمام باستهزائهم وعن المبالاة بقولهم ، فقد برأك الله عما يقولون . وقال ابن عباس : ( هو منسوخ بقوله " فاقتلوا المشركين{[9768]} " [ التوبة : 5 ] ) . وقال عبدالله بن عبيد : ما زال النبي صلى الله عليه وسلم مستخفيا حتى نزل قوله تعالى : " فاصدع بما تؤمر " فخرج هو وأصحابه . وقال مجاهد : أراد الجهر بالقرآن في الصلاة . " وأعرض عن المشركين " لا تبال بهم . قال ابن إسحاق : لما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء أنزل الله تعالى " فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين . إنا كفيناك المستهزئين . الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون " . والمعنى : اصدع بما تؤمر ولا تخف غير الله ، فإن الله كافيك من أذاك كما كفاك المستهزئين ، وكانوا خمسة من رؤساء أهل مكة ، وهم الوليد بن المغيرة وهو رأسهم ، والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة . والأسود بن عبد يغوث ، والحارث بن الطلاطلة ، أهلكهم الله جميعا ، قيل يوم بدر في يوم واحد ؛ لاستهزائهم برسول الله صلى الله عليه وسلم . وسبب هلاكهم فيما ذكر ابن إسحاق : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يطوفون بالبيت ، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر به الأسود بن المطلب فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي ووجعت عينه ، فجعل يضرب برأسه الجدار . ومر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه حَبَنا . ( يقال : حبِن ( بالكسر ) حَبَنا وحُبِن للمفعول عظم بطنه بالماء الأصفر ، فهو أحبن ، والمرأة حبناء ، قاله في الصحاح ) . ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، وكان أصابه قبل ذلك بسنين ، وهو يجر سَبَلَه{[9769]} ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يَرِيشُ نبلا له فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش في رجله ذلك الخدش وليس بشيء ، فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله ، فمرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شبرمة{[9770]} فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته . ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه فامتخط{[9771]} قيحا فقتله . وقد ذكر في سبب موتهم اختلاف قريب من هذا . وقيل : إنهم المراد بقوله تعالى : " فخر عليهم السقف من فوقهم{[9772]} " [ النحل : 26 ] شبه ما أصابهم في موتهم بالسقف الواقع عليهم ، على ما يأتي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.