الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

قوله تعالى : { فَاصْدَعْ } : أصلُ الصَّدْعِ : الشَّقُّ : صَدَعْتُه فانصَدَعَ ، أي : شَقَقْتُه فانْشَق ، ومنه التفرقةُ أيضاً كقوله : { يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } [ الروم : 43 ] .

وقال :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كأنَّ بياضَ غِرَّتِه صَدِيعُ

والصَّديعُ : ضوء الفجر لانشقاقِ الظلمةِ عنه ، ومعنى " فاصدَعْ " : فافرُقْ بين الحقِّ والباطلِ وافْصِلْ بينهما . وقال الراغب : " الصَّدْعُ شِقٌّ في الأجسامِ الصُّلْبة كالزُّجَاج والحديد ، وصَدَّعْتُه بالتشديد فتصَدَّع ، وصَدَعْتُه بالتخفيفِ فانْصَدَع ، وصُداع الرأسِ منه لتوهُّمِ الانشقاقِ فيه ، وصَدَعْتُ الفَلاةَ ، أي : قطعتُها " مِنْ ذلك ، كأنه تَوَهَّم تفريقَها .

و " ما " في " بما تُؤْمَر " مصدريةٌ أو بمعنى الذي ، والأصلُ : تُؤْمَر به ، وهذا الفعلُ يَطَّرِدُ حَذْفُ الجارِّ معه ، فَحَذْفُ العائدِ فصيحٌ ، وليس هو كقولك " جاء الذي مررت " ونحوُه :

أَمَرْتُكَ الخيرَ فافعَلْ ما أُمِرْتَ به *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والأصل : بالخير . وقال الزمخشري : " ويجوز أن تكونَ " ما " مصدريةً ، أي : بأَمْرِك ، مصدرٌ من المبني للمفعول " . انتهى . وهو كلامٌ صحيحٌ . ونَقَل الشيخُ عنه أنه قال : " ويجوز أن يكونَ المصدرُ يُراد به " أَنْ " والفعلِ المبنيِّ للمفعول " . ثم قال الشيخ : " والصحيحُ أنَّ ذلك لا يجوز " . قلت : الخلافُ إنما في المصدرِ المُصَرَّح به : هل يجوز أن يَنْحَلَّ لحرفٍ مصدريٍ وفعلٍ مبني للمفعول أم لا يجوزُ ذلك ؟ خلافٌ مشهور ، أمَّا أنَّ الحرفَ المصدريَّ هل يجوزُ فيه أن يُوْصَلَ بفعل مبني للمفعول نحو : " يُعجبني أن يُكْرَمَ عمرٌو " أم لا يجوز ؟ فليس محلَّ النِّزاعِ .