معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (94)

وقوله : { فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 94 } ولم يقل : بَما تُؤْمر به - والله أعلم - أراد : فاصدع بالأمر . ولو كان مكان ( ما ) مَن أو ما مما يراد به البَهائم لأدخلت بعدها الباء كما نقول : اذهب إلى من تؤمر به واركب ما تؤمر به ، ولكنه في المعنى بمنزلة المصدر ؛ ألا ترى أنك تقول : ما أحسن ما تنطلق لأنك تريد : مما أحسن انطلاقك ، وما أحسن ما تأمر إذا أَمَرتَ لأنك تريد ما أحسن أمرك . ومثله قوله { يَا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إنْ شَاء اللهُ } كأنه قيل له : افعل الأمر الذي تؤمر . ولو أريد به إنسان أو غيره لجاز وإن لم يظهر الباء لأن العرب قد تقول : إني لآمرك وآمر بك وأكفرك وأكفر بك في معنى واحد . ومثله كثير ، منه قولهم :

إذا قالت حَذَامِ فأنصتُوها *** فإنّ القول ما قالت حذامِ

يريد : فانصتوا لها ، وقال الله تبارك وتعالى ( أَلاَ إنّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ) وهي في موضع { يكفرون بالله } و ( كفروا بربهم ) واصدع : أظهر دينك .