معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

قوله تعالى : { فأخذتهم الصيحة } يعني صيحة العذاب ، { بالحق } قيل : أراد بالصيحة الهلاك . وقيل : صاح بهم جبريل صيحة فتصدعت قلوبهم ، { فجعلناهم غثاءً } وهو ما يحمله السيل من حشيش وعيدان شجر ، معناه : صيرناهم هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض . { فبعداً للقوم الظالمين* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

وجاء الوعيد فعلاً . وأخبر - سبحانه - عن ذلك فقال : { فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة بالحق . . . } . . أى : فأهلكناهم إهلاكاً تامًّا ، بالصيحة التى صاحها بهم جبريل - عليه السلام - حيث صاح بهم مع الريح العاتية التى أرسلها الله عليهم فدمروا تدميرا .

وذكر - سبحانه - هنا الصيحة فقط مع أن قوم هود قد أهلكوا بها وبالريح الصرصر العاتية للإشعار بأن إحدى هاتين العقوبتين لو انفردت كافية لإهلاكهم ، فقد قال - سبحانه - فى شأن الريح التى أرسلها عليهم : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القوم المجرمين } وقوله { بالحق } حال من الصيحة ، وهو متعلق بمحذوف ، والتقدير ، فأخذتهم الصيحة حالة كونها بالعدل الذى لا ظلم معه ، وإنما هم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم لنبيهم .

وقوله - سبحانه - { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظالمين } بيان لمصيرهم الأليم . والغثاء : الرميم الهامد الذى يحمله السيل من ورق الشجر وغيره ، يقال : غثا الوادى يغثو إذا كثر غثاؤه .

أى : فصيرناهم هلكى هامدين كغثاء السيل البالى ، الذى اختلط بزبده ، فهلاكاً وبعداً لهؤلاء القوم الظالمين ، كما هلك وبعد من قبلهم قوم نوح - عليه السلام - .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

23

ولكن حيث لا ينفع الندم ، ولا يجدي المتاب :

( فأخذتهم الصيحة بالحق ، فجعلناهم غثاء ) . .

والغثاء ما يجرفه السيل من حشائش وأعشاب وأشياء مبعثرة ، لا خير فيها ، ولا قيمة لها ، ولا رابط بينها . . وهؤلاء لما تخلوا عن الخصائص التي كرمهم الله بها ، وغفلوا عن حكمة وجودهم في الحياة الدنيا ، وقطعوا ما بينهم وبين الملأ الأعلى . . لم يبق فيهم ما يستحق التكريم ؛ فإذا هم غثاء كغثاء السيل ، ملقى بلا احتفال ولا اهتمام وذلك من فرائد التعبير القرآني الدقيق .

ويزيدهم على هذه المهانة ، الطرد من رحمة الله ، والبعد عن اهتمام الناس :

( فبعدا للقوم الظالمين ) . .

بعدا في الحياة وفي الذكرى . في عالم الواقع وفي عالم الضمير . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

{ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ } أي : وكانوا يستحقون ذلك من الله لكفرهم وطغيانهم .

والظاهر أنه اجتمع عليهم صيحة مع الريح الصَّرْصر العاصف القويّ الباردة ، { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى{[3]} إِلا مَسَاكِنُهُمْ } [ الأحقاف : 25 ] .

وقوله : { فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً } أي : صرعى هَلْكى كغثاء السيل ، وهو الشيء الحقير التافه الهالك الذي لا ينتفع بشيء منه . { فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ، كقوله{[4]} : { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ } [ الزخرف : 76 ] أي : بكفرهم وعنادهم ومخالفة رسول الله ، فليحذر السامعون أن يكذبوا رسولهم .


[3]:في د: "وأديت".
[4]:في د: "إنهم قالوا".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَخَذَتْهُمُ الصّيْحَةُ بِالْحَقّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَآءً فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : فانتقمنا منهم ، فأرسلنا عليهم الصيحة فأخذتهم بالحقّ وذلك أن الله عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به وتكذيبهم رسوله . فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً يقول : فصيرناهم بمنزلة الغُثاء ، وهو ما ارتفع على السيل ونحوه ، كما لا ينتفع به في شيء . فإنما هذا مَثَل ، والمعنى : فأهلكناهم فجعلناهم كالشيء الذي لا منفعة فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْدا للْقَوْمِ الظّالِمِينَ يقول : جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى . وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : غُثاءً كالرميم الهامد ، الذي يحتمل السيل .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً قال : كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : فجَعَلْناهُمْ غُثاءً قال : هو الشيء البالي .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قَتادة ، مثله .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فجَعَلْناهُمْ غُثاءً قال : هذا مثل ضربه الله .

وقوله : فَبُعْدا للْقَوْمِ الظّالِمِينَ يقول : فأبعد الله القوم الكافرين بهلاكهم ، إذ كفروا بربهم وعَصَوا رسله وظلموا أنفسهم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : أولئك ثمود ، يعني قوله : فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْدا للْقَوْمِ الظّالِمِينَ .