روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

{ فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة } أي صيحة جبريل عليه السلام صاح عليه السلام بهم فدمرهم ، وهذا على القول بأن القرن قوم صالح عليه السلام ظاهر ، ومن قال : إنهم قوم هود عليه السلام أشكل ظاهر هذا عليه بناءاً على أن المصرح به في غير هذه السورة أنهم أهلكوا بريح عاتية ، وأجاب بأن جبريل عليه السلام صاح بهم من الريح كما روى في بعض الأحاديث ، وفي ذكر كل على حدة إشارة إلى أن كلا لو انفرد لتدميرهم لكفى ، ويجوز أن يراد بالصيحة العقوبة الهائلة والعذاب المصطلم كما في قوله

: صاح الزمان بآل برمك صيحة *** خروا لشدتها على الأذقان

{ بالحق } متعلق بالأخذ أي بالأمر الثابت الذي لا مدفع له كما في قوله تعالى : { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ } [ ق : 19 ] أو بالعدل من الله عز وجل من قولك : فلان يقضي بالحق إذا كان عادلاً في قضاياه أو بالوعد الصدق الذي وعده الرسول في ضمن قوله تعالى : { عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نادمين } [ المؤمنون : 40 ] { فجعلناهم غُثَاء } أي كغثاء السيل وهو ما يحمله من الورق والعيدان البالية ويجمع على أغثاء شذوذاً وقد تشدد ثاؤه كما في قول امرئ القيس

: كأن ذرى رأس المجيمر غدوة *** من السيل والغثاء فلكة مغزل

{ فَبُعْداً لّلْقَوْمِ الظالمين } يحتمل الإخبار والدعاء ، والبعد ضد القرب والهلاك وفعلهما ككرم وفرح والمتعارف الأول في الأول والثاني في الثاني وهو منصوب بمقدر أي بعدوا بعداً من رحمة الله تعالى أو من كل خير أو من النجاة أو هلكوا هلاكاً ، ويجب حذف ناصب هذا المصدر عند سيبويه فيما إذا كان دعائياً كما صرح به في «الدر المصون » ، واللام لبيان من دعى عليه أو أخبر ببعده فهي متعلقة بمحذوف لا ببعداً ، ووضع الظاهر موضع الضمير إيذاناً بأن إبعادهم لظلمهم .