فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

ثم أخبر سبحانه بأنهم أخذتهم الصيحة ، وحاق بهم عذابه ، ونزل عليهم سخطه فقال : { فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ } .

قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة واحدة مع الريح التي أهلكهم الله بها فماتوا جميعا ، وقيل الصيحة هي نفس العذاب والهلاك الذي نزل بهم { بِالْحَقِّ } أي كائنة بالعدل من الله فماتوا ، يقال : فلان يقضي بالحق أي بالعدل ، ثم أخبر سبحانه عما صاروا إليه بعد العذاب النازل بهم فقال :

{ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاء } أي كغثاء السيل قيل الغثاء الجفاء ، وقال الزجاج : هو البالي من ورق الشجر إذا جرى السيل فخالط زبده ، وقيل كل ما يلقيه السيل ، والقدر مما لا ينتفع به ، وبه يضرب المثل في ذلك ولامه واو ، لأنه من غثا الوادي يغثوا غثوا ، وكذلك غثت القدر ، وقال المحلي : هو نبت يبس ، وعنه : هو العشب إذا يبس ، والمعنى صيرناهم هلكى فيبسوا كما يبس الغثاء ، وقال ابن عباس : جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر .

{ فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } أي بعدوا بعدا ، أو ألزمنا بعدا فهو إخبار أو دعاء واللام لبيان من قيل له ذلك ، كما في . سقيا له وجدعا له ، قاله الزمخشري ، وقال الحوفي : متعلق ببعدا ، وهذا مردود لأنه لا يحفظ حذف هذه اللام ، ووصول المصدر إلى مجرورها البتة ، ولذلك منعوا الاشتغال في قوله : [ فتعسا لهم ] ، وهو من المصادر المنصوبة بأفعال لا يستعمل إظهارها ، ووضع الظاهر موضع المضمر للتعليل .