نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

ولما تسبب عن دعائه أن تعقب هلاكهم ، وعد الله له بذلك ، قال تعالى : { فأخذتهم الصيحة } أي التي كأنها لقوتها لا صحية إلا هي ، ويمكن أن تكون على بابها فتكون صيحة جبرئيل عليه الصلاة والسلام ويكون القوم ثمود ، ويمكن أن تكون مجازاً عن العذاب الهائل { بالحق } أي بالأمر الثابت من العذاب الذي أوجب لهم الذي لا تمكن مدافعته لهم ولا لأحد غير الله ، ولا يكون كذلك إلا وهو عدل { فجعلناهم } بعظمتنا التي لا تدانيها عظمة ، بسبب الصيحة { غثاء } كأنهم أعجاز نخل خاوية ، جاثمين أمواتاً يطرحون كما يطرح الغثاء ، وهو ما يحمله السيل من نبات ونحوه فيسود ويبلى فيصير بحيث لا ينتفع به ، ونجينا رسولهم ومن معه من المؤمنين ، فخاب الكافرون ، وأفلح المؤمنون ، وكانوا هم الوارثين للأرض من بعدهم .

ولما كان هلاكهم على هذا الوجه سبباً لهوانهم ، عبر عنه بقوله : { فبعداً } أي هلاكاً وطرداً . ولما كان كأنه قيل : لمن ؟ قيل : لهم ! ولكنه أظهر الضمير تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف تحذيراً لكل من تلبس به فقال : { للقوم } أي الأقوياء الذين لا عذر لهم في التخلف عن اتباع الرسل والمدافعة عنهم { الظالمين* } الذين وضعوا قوتهم التي كان يجب عليهم بذلها في نصر الرسل في خذلانهم .