تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلصَّيۡحَةُ بِٱلۡحَقِّ فَجَعَلۡنَٰهُمۡ غُثَآءٗۚ فَبُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (41)

الآية 41 : و قوله تعالى : { فأخذتهم الصيحة بالحق } قد ذكرنا .

وقوله تعالى : { فجعلناهم غثاء } قال : بعضهم : الغثاء اليابس الهامد كنبات الأرض إذا يبس . وقال بعضهم : الغثاء هو الذي يحمله السيل ( من العيدان ){[13395]} . قال أبو معاذ{ فجعله غثاء أحوى }( الأعلى : 5 ) أي أسود . وقال بعضهم : { غثاء }أي موتى .

وجائز أن يكون تأويل قوله : { غثاء }أي كالشيء المنسي الذي لا يذكر البتة ، لأن أولئك الفراعنة والأكابر إذا هلكوا لم يذكروا البتة ( ولا ){[13396]} افتخر أحدهم من أولادهم بهم من بعد الهلاك كما افتخر أولاد الأنبياء والرسل والصالحين بآبائهم وأجدادهم من بعدهم ، وصاروا مذكورين على أبد الآبدين . فأما أولئك فصاروا حاملي الذكر كالشيء الخسيس المنسي المتروك .

وقوله تعالى : { فجعلناهم غثاء } الغثاء ما ذكرنا ، وعلى{[13397]} قول بعضهم : كالرميم الهامد الذي يحمله السيل ، وعلى{[13398]} قول بعضهم : كالشيء البالي المتغير ، وعلى ( قول بعضهم ){[13399]} : الغثاء ما ارتفع على الماء مما لا ينتفع به ، وكله واحد .

وقال القتبي : { غثاء } أي هلكى كالغثاء ، وهو ما على السيل من الزبد والقمش ، لأنه يذهب ، ويتفرق . قال أبو عوسجة : الغثاء ما يحمل السيل من العيدان والبعر ، والأغثية جميع ، والغثاء حمل السيل .

ثم ذكر أنفس قوم عاد وثمود ، وشبهها بما ذكر من الغثاء ، وكذلك يذكر جميع أهل الشرور والفساد ، وذكر في أهل الخير أعمالهم لا أنفسهم ، لأن لهم أعمال الخير والصلاح ، فتجعل أنفسهم حية بالأعمال كقوله : { وجعلناهم أحاديث }( المؤمنون : 44 ) جعل أعمالهم أحاديث في ما بينهم .

وأما أهل الكفر والشر فإنهم{[13400]} لا أعمال لهم تذكر ، فتذكر أنفسهم بعدا وسحقا .


[13395]:في الأصل وم: بالموج.
[13396]:في الأصل وم: و.
[13397]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[13398]:الواو ساقطة من الأصل وم.
[13399]:في الأصل وم بعض.
[13400]:في الأصل وم: فإنه..