معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

قوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم } قرأ أبو عمر : { أخذ } بضم الهمزة وكسر الخاء { ميثاقكم } برفع القاف على ما لم يسم فاعله . وقرأ الآخرون بفتح الهمزة والخاء ونصب القاف ، أي : أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر آدم عليه السلام ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه ، قاله مجاهد . وقيل : أخذ ميثاقكم بإقامة الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم . { إن كنتم مؤمنين } يوماً ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والإعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

ثم رغبهم - سبحانه - فى الثبات على الإيمان بالله ورسوله فقال : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } .

أى : وأى مانع يمنعكم من الثبات على الإيمان . ومن القيام بتكاليفه ، ومن إخلاص العبادة له - تعالى - وحده ، والحال أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينكم صباح مساء ، يدعوكم إلى الإيمان بربكم ، وقد أخذ - سبحانه - عليكم العهود والمواثيق على هذا الإيمان ، عن طريق ما ركب فيكم من عقول تعقل ، وعن طريق ما نصب لكم من أدلة متنوعة كلها تدل على وجوب إخلاص العبادة لله الواحد القهار .

قال : الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية : أى : وأى شىء يمنعكم من الإيمان ، والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك ، ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به .

وقد روينا فى الحديث من طرق ، فى أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخارى ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأصحابه : " أى المؤمنين أعجب إليكم إيمانا ؟ " قالوا : الملائكة .

قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء قال : " ومالهم لا يؤمنون والوحى ينزل عليهم " قالوا : فنحن ، قال : " فما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم ، يجدون صحفا يؤمنون بما فيها " " .

وقوله - تعالى - : { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ } كما قال - تعالى - : { واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا . . } ويعنى بذلك بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .

وزعم ابن جرير : أن المراد بذلك : الميثاق الذى أخذ عليهم فى صلب آدم .

وجواب الشرط فى قوله - تعالى - : { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } محذوف لدلالة ما قبله عليه .

أى : إن كنتم مؤمنين لسبب من الأسباب ، فعلى رأس هذه الأسباب وجود الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينكم يدعوكم إلى هذا الإيمان ويقنعكم بوجوب الاعتصام به .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

غير أن القرآن لا يكلهم إلى هذه اللمسات الأولى . إنما يلح على قلوبهم بموحيات الإيمان وموجباته من واقع حياتهم وملابساتها :

( وما لكم لا تؤمنون بالله ، والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ، وقد أخذ ميثاقكم ، إن كنتم مؤمنين . هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور . وإن الله بكم لرؤوف رحيم ) . .

فما الذي يعوقهم عن الإيمان - حق الإيمان - وفيهم الرسول يدعوهم إلى الإيمان . وقد بايعوه عليه وأعطوه ميثاقهم ?

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

ثم قال : { وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ } ؟ أي : وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم ، يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ؟ وقد روينا في الحديث من طُرُق في أوائل شرح " كتاب الإيمان " من صحيح البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه : " أيُّ المؤمنين أعجب إليكم إيمانًا ؟ " قالوا : الملائكة . قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ " قالوا : فالأنبياء . قال : " وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ " . قالوا : فنحن ؟ قال : " وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيؤون بعدكم يجدون صُحُفًا يؤمنون بما فيها " {[28228]}

وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أول سورة " البقرة " عند قوله : { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ } [ البقرة : 3 ] .

وقوله : { وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ } كما قال : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } [ المائدة : 7 ] . ويعني بذلك : بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم .

وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم ، وهو مذهب مجاهد ، فالله أعلم .


[28228]:- (3) سبق تخريج الحديث عند تفسير الآية: 3 من سورة البقرة.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وما لكم لا تؤمنون بالله ، وما شأنكم أيها الناس لا تقرّون بوحدانية الله ، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيته ، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك ، ما قطع عذركم ، وأزال الشكّ من قلوبكم ، وقد أخذ ميثاقكم ، قيل : عني بذلك وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صُلب آدم ، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ قال : في ظهر آدم .

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ بفتح الألف من أخذ ونصب الميثاق ، بمعنى : وقد أخذ ربكم ميثاقكم . وقرأ ذلك أبو عمرو : «وقَدْ أُخِذَ مِيثاقُكُمْ » بضمّ الألف ورفع الميثاق ، على وجه ما لم يسمّ فاعله .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب ، وإن كان فتح الألف من أخذ ونصب الميثاق أعجب القراءتين إليّ في ذلك لكثرة القرأة بذلك ، وقلة القراء بالقراءة الأخرى .

وقوله : إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول : إن كنتم تريدون أن تؤمنوا بالله يوما من الأيام ، فالاَن أحرى الأوقات ، أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه ، ودعائه إياكم إلى ما قد تقرّرت صحته عندكم بالإعلام والأدلة والميثاق المأخوذ عليكم .