مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

قوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعو لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى وبخ على ترك الإيمان بشرطين ( أحدهما ) : أن يدعو الرسول ، والمراد أنه يتلو عليهم القرآن المشتمل على الدلائل الواضحة ( الثاني ) : أنه أخذ الميثاق عليهم ، وذكروا في أخذ الميثاق وجهين ( الأول ) : ما نصب في العقول من الدلائل الموجبة لقبول دعوة الرسل ، واعلم أن تلك الدلائل كما اقتضت وجوب القبول فهي أوكد من الحلف واليمين ، فلذلك سماه ميثاقا ، وحاصل الأمر أنه تطابقت دلائل النقل والعقل ، أما النقل فبقوله : { والرسول يدعوكم } ، وأما العقل فبقوله : { وقد أخذ ميثاقكم } ومتى اجتمع هذان النوعان ، فقد بلغ الأمر إلى حيث تمتنع الزيادة عليه ، واحتج بهذه الآية من زعم أن معرفة الله تعالى لا تجب إلا بالسمع ، قال : لأنه تعالى إنما ذمهم بناء على أن الرسول يدعوهم ، فعلمنا أن استحقاق الذم لا يحصل إلا عند دعوة الرسول ( الوجه الثاني في تفسير أخذ الميثاق ) قال عطاء ومجاهد والكلبي والمقاتلان : يريد حين أخرجهم من ظهر آدم ، وقال : { ألست بربكم ؟ قالوا بلى } وهذا ضعيف ، وذلك لأنه تعالى إنما ذكر أخذ الميثاق ليكون ذلك سببا في أنه لم يبق لهم عذر في ترك الإيمان بعد ذلك ، وأخذ الميثاق وقت إخراجهم من ظهر آدم غير معلوم للقوم إلا بقول الرسول ، فقبل معرفة صدق الرسول لا يكون ذلك سببا في وجوب تصديق الرسول ، أما نصب الدلائل والبينات فمعلوم لكل أحد ، فذلك يكون سببا لوجوب الإيمان بالرسول ، فعلمنا أن تفسير الآية بهذا المعنى غير جائز .

المسألة الثانية : قال القاضي قوله : { وما لكم } يدل على قدرتهم على الإيمان إذ لا يجوز أن يقال ذلك إلا لمن لا يتمكن من الفعل ، كما لا يقال : مالك لا تطول ولا تبيض ، فيدل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، وعلى أن القدرة صالحة للضدين ، وعلى أن الإيمان حصل بالعبد لا بخلق الله .

المسألة الثالثة : قرئ { وقد أخذ ميثاقكم } على البناء للفاعل ، أما قوله : { إن كنتم مؤمنين } فالمعنى إن كنتم تؤمنون بشيء لأجل دليل ، فما لكم لا تؤمنون الآن ، فإنه قد تطابقت الدلائل النقلية والعقلية ، وبلغت مبلغا لا يمكن الزيادة عليها .