اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

قوله تعالى : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ } .

مبتدأ وخبر وحال : أي : أي شيء استقر لكم غير مؤمنين{[55222]} .

قال القرطبي{[55223]} : «هذا استفهام يراد به التوبيخ ، أي : أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وقد أزيحت العلل » . { والرسول يَدْعُوكُمْ } .

فقوله : { والرسول يَدْعُوكُمْ } جملة حالية من ضمير «تؤمنون »{[55224]} .

قال الزمخشري{[55225]} : «فهما حالان متداخلان » .

و«لتؤمنوا » متعلق ب «يدعو » أي : يدعوكم للإيمان ، كقولك : «دعوته لكذا » .

ويجوز أن تكون «اللام » للعلة ، أي : يدعوكم إلى الجنة وغفران الله لأجل الإيمان .

وفيه بعد .

وهذه الآية تدل على أنه لا حكم قبل ورود الشرع .

قوله : { وَقَدْ أَخَذَ } . حال أيضاً{[55226]} .

وقرأ العامة : «أخَذ » مبنيًّا للفاعل ، وهو الله - تعالى - لتقدّم ذكره .

وقرأ أبو عمرو{[55227]} «أُخِذَ » مبنيًّا للمفعول ، حذف الفاعل للعلم به .

و«ميثاقكم » منصوب في قراءة العامة ، ومرفوع في قراءة أبي عمرو .

و«إن كنتم » جوابه محذوف ، تقديره : فما يمنعكم من الإيمان .

وقيل : تقديره : إن كنتم مؤمنين لموجب ما رتبه ، فهذا هو الموجب{[55228]} .

وقدره ابن عطية{[55229]} : إن كنتم مؤمنين فأنتم في رتبة شريفة .

فصل في المراد بهذا الميثاق{[55230]}

قال مجاهد : المراد بالميثاق هو المأخوذ عليهم حين أخرجهم من ظهر آدم ، وقال : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى } [ الأعراف : 172 ] .

قال ابن الخطيب{[55231]} : وهذا ضعيف ؛ لأنه - تعالى - إنما ذكر أخذ الميثاق ليكون ذلك سبباً في أنه لم يبق لهم عُذْر في ترك الإيمان بعد ذلك ، وأخذ الميثاق وقت إخراجهم من ظهر آدم غير معلوم للقوم إلاَّ بقول الرسول .

فقبل معرفة تصديق الرسول لا يكون ذلك سبباً في وجوب تصديق الرسول بل المراد بأخذ الميثاق نصب الدلائل والبينات ، بأن ركب فيهم العقول ، وأقام عليهم الحُجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرَّسُول ، وهذا معلوم لكل أحد ، فيكون سبباً لوجوب الإيمان بالرسول .

فصل في حصول الإيمان بالعبد .

قال القاضي{[55232]} : قوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ } يدل على قدرتهم على الإيمان ، إذ لا يجوز أن يقال ذلك لمن لا يتمكن من الفعل كما لا يقال : ما لك لا تطول ولا تبيض ، فيدل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، وعلى أن القدرة صالحة للضدين ، وعلى أن الإيمان حصل بالعبد لا بخلق الله .

قوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : إذْ كنتم مؤمنين .

وقيل : إن كنتم مؤمنين بالحجج والدليل .

وقيل : إن كنتم مؤمنين بحق يوماً من الأيام ، فالآن فقد صحت براهينه .

وقيل : إن كنتم مؤمنين بأن الله خلقكم كانوا يعترفون بهذا .

وقيل : هذا خطاب لقوم آمنوا ، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا{[55233]} .

وقوله : { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي : كنتم تقرُّون بشرائط الإيمان .


[55222]:ينظر: الدر المصون 6/273.
[55223]:الجامع لأحكام القرآن 17/155.
[55224]:الدر المصون 6/273.
[55225]:الكشاف 4/473.
[55226]:الدر المصون 6/273.
[55227]:ينظر: السبعة 625، والحجة 6/266، وإعراب القراءات 2/249، وحجة القراءات 697، والعنوان 186، وشرح شعلة 597، وشرح الطيبة 6/38، وإتحاف 2/519.
[55228]:ينظر: الدر المصون 6/273.
[55229]:ينظر: المحرر الوجيز 5/258.
[55230]:ينظر: القرطبي 17/155.
[55231]:التفسير الكبير 29/189.
[55232]:السابق.
[55233]:ينظر: القرطبي 17/155.