المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

وقوله تعالى : { وما لكم لا تؤمنون بالله } الآية توطئة لدعائهم وإيجاب لأنهم أهل هذه الرتب الرفيعة فإذا تقرر ذلك فلا مانع من الإيمان ، وهذا كما تريد أن تندب رجلاً إلى عطاء فتقول له : أنت يا فلان من قوم أجواد فينبغي أن تكرم ، وهذا مطرد في جميع الأمور إذا أردت من أحد فعلاً خلقته بخلق أهل ذلك الفعل وجعلت له رتبتهم ، فإذا تقرر في هؤلاء أن الرسول يدعو وأنهم ممن أخذ الله ميثاقهم فكيف يمتنعون من الإيمان .

وقرأ جمهور القراء : «وقد أَخذ » على بناء الفعل للفاعل . وقرأ أبو عمرو : «قد أُخذ » على بناء الفعل للمفعول والآخذ على كل قول هو الله تعالى ، وهو الآخذ حين الإخراج من ظهر آدم على ما مضى في غير هذه السورة{[10953]} ، والمخاطبة ببناء الفعل للمفعول أشد غلظة على المخاطب ، ونحوه قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }{[10954]} [ هود : 112 ] وكما تقول لامرئ : افعل كما قيل لك ، فهو أبلغ من قولك : افعل ما قلت لك .

وقوله : { إن كنتم مؤمنين } قال الطبري المعنى : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى ليس في ألفاظ الآية وفيه إضمار كثير ، وإنما المعنى عندي أن قوله : وإن الرسول { يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } ، يقتضي أن يقدر بأثره : فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة إن كنتم مؤمنين ، أي إن دمتم على ما بدأتم به .


[10953]:عند تفسير قوله تعالى:{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم}، الآية(172) من سورة (الأعراف). (جـ6 ص134).
[10954]:من الآية (112) من سورة (هود).