البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

ثم قال : { وما لكم لا تؤمنون بالله } ، وهو استفهام على سبيل التأنيب والإنكار : أي كيف لا تثبتون على الإيمان ؟ ودواعي ذلك موجودة ، وذلك ركزة فيكم من دلائل العقل .

وموجب ذلك من السمع في قوله : { والرسول يدعوكم } لهذا الوصف الجليل .

وقد تقدم أخذ الميثاق عليكم بالإيمان ، فدواعي الإيمان موجودة ، وأسبابه حاصلة ، فلا مانع منه ، ولا عذر في تركه .

و { لا تؤمنون } حال ، كما تقول : ما لك لا تقوم تنكر عليه انتفاء قيامه ؟ { والرسول } : الواو واو الحال ، فالجملة بعده حال ، وقد أخذ حال ثالثة ، وهذا الميثاق قيل : هو الذي أخذ عليهم حين الإخراج من ظهر آدم عليه الصلاة والسلام .

وقيل : ما نصب من الأدلة وركز في العقول من النظر فيها .

{ إن كنتم مؤمنين } : شرط وجوابه محذوف ، أي إن كنتم مؤمنين لموجب مّا ، فهذا هو الموجب لإيمانكم ، أو إن كنتم ممن يؤمن ، فما لكم لا تؤمنون والحالة هذه ؟ وهي دعاء الرسول وأخذ الميثاق .

وقال الطبري : إن كنتم مؤمنين في حال من الأحوال فالآن .

وقرأ الجمهور : { وقد أخذ } مبنياً للفاعل ، { ميثاقكم } بالنصب ؛ وأبو عمرو : مبنياً للمفعول ، ميثاقكم رفعاً .

وقال ابن عطية : في قوله : { إن كنتم مؤمنين } وإنما المعنى أن قوله : { والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين } يقتضي أن يقدر بأثره ، فأنتم في رتب شريفة وأقدار رفيعة .

{ إن كنتم مؤمنين } : أي إن دمتم على ما بدأتم به .

ولما ذكر توطئة ما يوجب الإيمان دعاء الرسول إياهم للإيمان ، ذكر أنه تعالى هو المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ما دعا به إلى الإيمان ، وذلك الآيات البينات المعجزات ، ليخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، أي الله تعالى ، إذ هو المخبر عنه ، أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأنه أقرب .