إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا لَكُمۡ لَا تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ لِتُؤۡمِنُواْ بِرَبِّكُمۡ وَقَدۡ أَخَذَ مِيثَٰقَكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (8)

وقولُه عزَّ وجلَّ : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله } استئنافٌ مسوقٌ لتوبيخِهم على ترك الإيمانِ حسبَما أمروا به بإنكارِ أنْ يكونَ لَهمُ في ذلك عذرٌ ما في الجملةِ على أنَّ لا تؤمنونَ حالٌ من الضميرِ في لكُم والعاملُ ما فيه من مَعْنى الاستقرارِ أيْ أيُّ شيءٍ حصلَ لكُم غيرَ مؤمنينَ ، على توجيه الإنكارِ والنفي إلى السببِ فقطْ مع تحقيق المسببِ لا إلى السببِ والمسببِ جميعاً كَما في قولِه تعالى : { وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي } [ سورة يس ، الآية 22 ] فإنَّ همزةَ الاستفهامِ كَما تكونُ تارةً لإنكارِ الواقعِ كَما في أتضربُ أباكَ وأخرى لإنكار الوقوعِ كما في أأضربُ أبي كذلكَ ما الاستفهاميةُ قد تكونُ لإنكارِ سببِ الواقعِ ونفيهِ فقطْ كما فيما نحنُ فيهِ وفي قولِه تعالى : { ما لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ سورة نوح ، الآية 13 ] فيكونُ مضمونُ الجملةِ الحاليةِ محُققاً فإنَّ كلاً من عدمِ الإيمانِ وعدمِ الرجاءِ أمرٌ محققٌ قد أنكرَ ونفيَ سببُه وقد تكونُ لإنكارِ سببِ الوقوعِ ونفيهِ فيسريانِ إلى المسببِ أيضاً كَما في قولِه تعالى : { وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ } [ سورة يس ، الآية 22 ] إلى آخرهِ فيكونُ مضمونُ الجملةِ الحاليةِ مفروضاً قطعاً فإنَّ عدمَ العبادةِ أمرٌ مفروضٌ حتماً قد أنكرَ ونُفيَ سببُه فانتفَى نفسُه أيضاً . وقوله تعالى :

{ والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبّكُمْ } حالٌ من ضميرِ لا تُؤمنون مفيدةٌ لتوبيخِهم على الكُفرِ معَ تحققِ ما يُوجبُ عدمَهُ بعدَ توبيخِهم عليهِ مع عدمِ ما يُوجبه ، أيْ وأيُّ عذرٍ في تركِ الإيمانِ والرسولُ يدعُوكم إليهِ وينبهكم عليهِ . وقولُه تعالى : { وَقَدْ أَخَذَ ميثاقكم } حالٌ من مفعولِ يدعُوكم أيْ وقد أخذَ الله تعالَى ميثاقَكُم بالإيمانِ من قبلُ وذلك بنصب الأدلةِ والتمكينِ من النظرِ . وقُرئَ وقَدْ أُخذَ مبنياً للمفعولِ برفعِ ميثاقكُم { إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ } لموجبِ ما فإنَّ هذَا موجبٌ لا موجبَ وراءَهُ .